للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ فنسَخ، واسْتَثْنَى مِن ذلك فقال: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ (١) [المائدة: ٥].

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أن هذه الآيةَ مُحْكَمةٌ فيما أُنْزِلَت لم يُنْسَخْ منها شيءٌ، وأن طعامَ أهلِ الكتابِ حَلالٌ، وذبائحَهم ذَكِيَّةٌ، وذلك مما حرَّم اللهُ على المؤمنين أكلَه بقولِه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ بمَعْزِلٍ؛ لأن اللهَ إنما حرَّم علينا بهذه الآيةِ الميْتةَ وما أُهِلَّ به للطَّواغيتِ، وذبائحُ أهلِ الكتابِ ذكيةٌ، سَمَّوْا عليها أو لم يُسَمُّوا؛ لأنهم أهلُ توحيدٍ، وأصحابُ كتبٍ للهِ يَدِينون بأحْكامِها، يَذْبَحون الذبائحَ بأدْيانِهم، كما يَذبَحُ المسلمُ بدينِه، سمَّى اللهَ على ذبيحتِه أو لم يُسَمِّه، إلا أن يَكونَ ترَك مِن ذكرِ تسميةِ اللهِ على ذبيحتِه، على الدَّيْنونةِ بالتعطيلِ، أو بعبادةِ شيءٍ سوى اللهِ، فيَحْرُمُ حينَئذٍ أكلُ ذَبيحتِه، سمَّى اللهَ عليها أو لم يُسَمِّ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾.

وهذا الكلامُ مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه يَدُلُّ على نهيِه المؤمنين برسولِه يومَئذٍ عن طاعةِ بعضِ المشركين الذين جادَلوهم في أكلِ الميتةِ، بما ذكَرْنا عنهم مِن جِدالِهم إياهم به، وأمْرِه إياهم بطاعةِ مؤمنٍ منهم كان، أو (٢) كافرًا، فهَدَاه جلَّ ثناؤُه لرُشْدِه، ووفَّقه للإيمانِ، فقال لهم: أطاعةُ ﴿مَنْ كَانَ مَيْتًا﴾. يقولُ: مَن كان كافرًا فجعَله جلَّ ثناؤُه لانْصِرافِه عن طاعتِه، وجهلِه بتوحيدِه وشَرائعِ دينِه، وتركِه الأخذَ بنصيبِه مِن العملِ للهِ بما يُؤَدِّيه إلى نجاتِه - بمنزلةِ الميتِ الذي لا يَنْفَعُ نفسَه بنافعةٍ، ولا يَدْفَعُ عنها


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٣١٩ عن المصنف.
(٢) سقط من: م.