للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنَّ (١) بيدِه حياتَهم ومماتَهم وأرزَاقَهم وأقواتَهم، ونفعَهم وضَرَّهم، يقولُ عزَّ ذكرُه: فلمْ أَخْلُقْهم يا محمدُ، ولم آمُرْهم بما أمَرْتُهم به، وأَنْهَهم عما نهَيْتُهم عنه، لحاجةٍ لى إليهم، ولا إلى أعمالِهم، ولكن لِأتَفَضَّلَ عليهم برحمتى، وأُثِيبَهم على إحْسانِهم إن أحْسَنوا، فإنى ذو الرَّأفة والرحمةِ.

وأما قولُه: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ﴾. فإنه يقولُ: إن يَشَأْ ربُّك يا محمدُ الذى خلَق خلقَه لغيرِ حاجةٍ منه إليهم، وإلى طاعتِهم إياه، ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾. يقولُ: يُهْلِكُ خلقَه هؤلاء الذين خلَقَهم مِن ولدِ آدمَ، ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ﴾. يقولُ: ويَأْتِ بخلقٍ غيرِكم، وأممٍ سِواكم يَخْلُفونكم فى الأرضِ، ﴿مِنْ بَعْدِكُمْ﴾. يعني: من بعدِ فَنائِكم وهلاكِكم، ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾: كما أحْدَثكم وابْتَدَعكم من بعدِ خلقٍ آخرين كانوا قبلَكم.

ومعنى ﴿مِنْ﴾ في هذا الموضعِ التَّعْقيبُ، كما يقالُ في الكلامِ: أَعْطَيْتُكَ مِن دينارِك ثوبًا. بمعنى: مكانَ الدينارِ ثوبًا. لا أن الثوبَ مِن الدينارِ بعضٌ، كذلك الذين خُوطِبوا بقولِه: ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ﴾. لم يُرِدْ بإخبارِهم هذا الخبرَ أنهم أُنْشِئوا مِن أصلابِ قومٍ آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكَرْنا مِن أَنهم أُنْشِئوا مَكَانَ خَلْقٍ خَلَفَ قومٍ آخرين قد هلَكوا قبلَهم.

والذريةُ الفُعْليَّةُ (٢)، مِن قول القائل: ذرَأ اللهُ الخلقَ، بمعنى: خلَقَهم، فهو يَذْرَؤُهم. ثم ترَك الهمزةَ، فقيل: ذرَا اللهُ. ثم أخْرج الفُعليَّةَ (٢) منه (٣) بغيرِ همزٍ على مثالِ العُلِّيَّةِ.


(١) في م: "لأنه".
(٢) فى م: "الفعيلة".
(٣) سقط من: م، ف، وفي ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "فيه".