للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: إنما خُوطِب بهذا السلطانُ، نُهِى أن يَأْخُذَ مِن ربِّ المال فوقَ الذي ألزم الله ماله.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخْبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾. قال: قال للسلطان: لا تُسْرفوا، لا تَأْخُذُوا بغير حقٍّ، فكانت هذه الآيةُ بين السلطانِ وبينَ الناسِ. يعنى قوله: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ الآية (١).

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندى أن يقالَ: إن الله تعالى ذكرُه نهَى بقوله: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ عن جميع معانى الإسراف، ولم يَخْصُصْ منها معنًى دون معنًى.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان الإسرافُ في كلام العرب الإخطاءَ بإصابة الحقِّ فى العَطِيةِ، إما بتَجاوُزِ حدِّه في الزيادة، وإما بتقصيرٍ عن حدِّه الواجب -كان معلومًا أن المُفَرِّقَ مالَه مُباراةً، والباذلَه للناسِ حتى أجْحَفَت به عطيتُه، مُسْرِفٌ بتَجاوُزِه حدَّ اللهِ إلى ما ليس (٢) له، وكذلك المُقَصِّرُ في بذلِه فيما ألزَمَه الله بذلَه فيه، وذلك [كمنعِه ما ألْزَمه إيتاءه] (٣) منه أهلَ سُهْمانِ الصدقةِ إِذا وجَبَت فيه، أو منعِه مَن أَلْزَمه الله نفقتَه مِن أهلِه وعِيالِه ما ألْزَمه منها، وكذلك السلطانُ في أخذِه من رعيتِه ما لم يَأذنِ الله بأخذِه، كلُّ هؤلاء فيما فعَلوا مِن ذلك مُسْرِفون، داخِلون في معنى مَن أتَى ما نهى الله عنه من الإسراف بقولِه: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾. في عطيتكم


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٤٠٠ (٧٩٦٨) من طريق أصبغ، عن ابن زيد بنحوه.
(٢) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "كيفته"، وفى س: "كلفته". والمثبت ما يستقيم به السياق.
(٣) في ت ١، س، ف: "كمانعه ما ألزمه إياه".