للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا وفي معنى الكلامِ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: معنى ذلك: ثم آتَيْنا موسى الكتابَ [تمامًا على الذي أحسنَ] (١)، كراهيةَ أن تقولوا: إنما أُنزِل الكتابُ على طائفتين من قبلِنا (٢).

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: بل ذلك في موضعِ نصبٍ بفعلٍ مُضْمَرٍ. قال: ومعنى الكلامِ: فاتَّبِعوه واتَّقُوا لعلكم تُرْحَمون؛ اتَّقُوا أن تَقُولوا. قال: ومِثْلُه يقولُ (٣) اللهُ: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢].

وقال آخرُ (٤) منهم: هو في موضعِ نصبٍ. قال: ونصبُه مِن مكانَيْن؛ أحدُهما: أَنْزَلْناه لئلا تقُولوا: إِنما أُنزِل الكتابُ على (٥). والآخرُ: مِن قولِه: ﴿وَاتَّقُوا﴾. قال: و "لا" يَصْلُحُ في موضعِ "أن" كقولِه: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦].

وأولى هذه الأقوالِ عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: نَصْبُ "أن" لتعلُّقها بالإنزال؛ لأن معنى الكلامِ: وهذا كتابٌ أَنْزَلْناه مباركٌ لئلا تقولوا: إنما أُنزل الكتابُ على طائفتين من قبلِنا.

فأما الطائفتان اللتان ذكَرَهما الله، وأَخْبَر أنه إنما أَنْزَل كتابَه على نبيِّه محمدٍ لئلا يقولَ المشركون: لم يَنْزِلْ علينا كتاب فنَتَّبِعَه، ولم نُؤْمَرُ، ولم نُنْهَ، فليس علينا حُجَّةٌ فيما نَأْتى ونَذَرُ، إذ لم يَأْتِ مِن اللهِ كتابٌ ولا رسولٌ، وإنما الحجةُ على


(١) سقط من: ص، ف.
(٢) الأرجح أن صواب هذه العبارة: معنى ذلك: وهذا كتاب أنزلناه مبارك كراهية أن تقولوا … . وهو القول الذي سيختاره المصنف، وينظر أيضًا تفسير القرطبي ٧/ ١٤٤، والبحر المحيط ٤/ ٢٥٦، ٢٥٧.
(٣) في م: "بقول".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "آخرون". وهذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١/ ٣٦٦.
(٥) سقط من: ف. وفى معاني القرآن وقف عند قوله: أنزل.