إليهم بأن يقولَ لهم: ألم يأتِكم رسلى بالبيناتِ؟ ألم أبعثْ إليكم النُّذُرَ فتُنذِرَكم عذابى وعقابي في هذا اليومِ مَن كَفَرَ بى وعَبَدَ غيرى؟ كما أخبَر جلّ ثناؤه أنه قائلٌ لهم يومَئِذٍ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: ٦٠، ٦١]. ونحو ذلك من القولِ الذي ظاهِرُه ظاهرُ مسألةٍ، ومعناه الخبرُ والقصصُ، وهو بعدُ توبيخٌ وتقريرٌ.
وأما مسألةُ الرسلِ الذي هو قَصَصٌ وخبرٌ، فإن الأمَم المشركةَ لما سُئِلت في القيامةِ قيل لها: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٧١]. أنكَر ذلك كثيرٌ منهم وقالوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ. فقيل للرسلِ: هل بلَّغتُم ما أُرْسِلْتُم به؟ أو قيل لهم: ألم تُبَلِّغوا إلى هؤلاء ما أُرسِلتم به؟ كما جاء الخبرُ عن رسولِ اللهِ ﷺ، وكما قال جلّ ثناؤُه لأمةِ نبيِّنا محمدٍ ﷺ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]. فكلُّ ذلك مِن اللهِ مسألةٌ للرسلِ على وجهِ الاستشهادِ لهم على مَن أُرسلوا إليه من الأممِ، وللمُرسَلِ إليهم على وجهِ التقريرِ والتوبيخِ، وكلُّ ذلك بمعنى القصصِ والخبرِ. فأما الذي هو عن اللهِ منفيٌّ مِن مسألتِه خلقَه، فالمسألةُ التي هي مسألةُ اسْترشادٍ واستثباتٍ فيما لا يعلمُه السائلُ عنها ويعلَمُه المسئولُ؛ ليعلمَ السائلُ علمَ ذلك من قبله، فذلك غير جائز أن يوصف الله به؛ لأنه العالم بالأشياء قبل كونِها ذلك وفي حالِ كونِها وبعدَ كونِها، وهى المسألةُ التي نَفاها جلّ ثناؤُه عن نفسِه بقولِه: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩]. وبقولِه: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨]. يعنى: لا يسألُ عن ذلك أحدًا منهم علمَ مُسْتَثْبِتٍ، ليعلمَ علمَ ذلك من قِبَلِ مَن سأل منه (١)؛ لأنه العالِمُ بذلك كلِّه وبكلِّ شيءٍ غيرِه.