للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأه عبدُ الرحمنِ الأعرجُ: (معائِشَ) بالهمزِ (١).

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندنا ﴿مَعَايِشَ﴾ بغيرِ همزٍ؛ لأنها "مَفاعِلُ"، مِن قولِ القائلِ: عشتَ، تعيشُ. فالميمُ فيها زائدةٌ، والياءُ في الحكمِ متحركةٌ؛ لأن واحدَها "مَفْعَلَةٌ"، مَعْيَشةٌ، متحركةُ الياءِ، نُقِلت حركةُ الياءِ منها إلى العينِ في واحدِها، فلما جُمعت رُدَّت حركتُها إليها، لسكونِ ما قبلَها وتحركِها. وكذلك تفعلُ العربُ بالياءِ والواوِ إذا سَكَنَ ما قبلَهما وتَحرَّكَتا، في نظائرِ ما وصفنا مِن الجمعِ الذي يأتى على مثالِ "مَفاعِلَ"، وذلك مخالفٌ لما جاء مِن الجمعِ على مثالِ "فعائلَ"، التي تكونُ الياءُ فيها زائدةً ليست بأصلٍ، فإن ما جاء مِن الجمعِ على هذا المثالِ، فالعربُ تهمِزُه، كقولِهم: هذه مدائنُ، وصحائفُ، وبصائرُ (٢)، لأن مدائنَ جمعُ مدينةٍ، والمدينةُ "فَعِيلةٌ" من قولِهم: مَدَنْتُ المدينةَ. وكذلك صحائفُ، جمعُ صحيفةٍ، والصحيفةُ "فَعِيلةٌ" مِن قولِك: صَحَفْتُ الصحيفةَ. فالياءُ في واحدِها زائدةٌ ساكنةٌ، فإذا جمَعْتَ هَمزتَ، لخلافِها في الجمعِ الياءَ التي كانت في واحدِها، وذلك أنها كانت في واحدِها ساكنةً، وهى في الجمعِ متحركةٌ. ولو جَعَلْتَ مَدِينَةً "مَفْعِلةً" مِن: دانَ يدينُ، [وجَمَعْت على] (٣) "مفاعلَ"، كان الفصيحُ تركَ الهمزِ (٤) وتحريكَ الياءِ. وربما هَمَزتِ العربُ جمعَ "مَفْعِلةٍ" في ذواتِ


(١) وقرأ بها أيضا زيد بن علي والأعمش، وخارجةُ عن نافع، وابنُ عامر في رواية. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٧٨، ومختصر الشواذ لابن خالويه ص ٤٨، والبحر المحيط ٤/ ٢٧١، قال أبو حيان: وليس بالقياس، لكنهم رووه وهم ثقات، فوجب قبوله. وينظر بقية كلامه في الاحتجاج لهذه القراءة والدفع عن الحكم عليها بالشذوذ.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٢، س، ف: "نظائر".
(٣) سقط من: س، وفى الأصل: "ثم جعلت"، وفى ص: "فرححب"، غير منقوطة، وفي ف، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فرجعت".
(٤) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "فيها".