للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَوِيَ الفَصيلُ يَغْوَى غَوًى. وذلك إذا فَقَدَ اللبنَ فماتَ، من قولِ الشاعرِ (١):

مُعَطَّفَةُ الأَثْنَاءِ (٢) ليس فَصِيلُها … بِرازِئِها دَرًّا ولا مَيِّتٍ غَوَى (٣)

وأصلُ الإغواءِ في كلامِ العربِ تَزْيِينُ الرجلِ للرجلِ الشيءَ حتى يُحَسِّنَه عندَه، غارًّا له به (٤).

وقد حُكِى عن بعضِ قبائلِ طيِّئ أنها تقولُ: أصبح فلانٌ غاوِيًا. أي: أصبَح مريضًا.

وكان بعضُهم يتأوَّلُ ذلك أنه بمعنى القَسَمِ، كأن معناه عندَه: فبإغْوائِك إياى لأقعدنَّ لهم صراطَك المستقيمَ. كما يقالُ: باللهِ لأفعلنَّ كذا.

وكان بعضُهم يتأوَّلُ ذلك أنه بمعنى المُجازاةِ، كأن معناه عندَه: فلأَنك أغويتَنى، أو: فبأنك أغويتَنى، لأقعدنَّ لهم صراطَك المستقيمَ.

وفى هذا بيانٌ واضحٌ على فساد ما يقولُ القَدريَّةُ، مِن أن كلَّ مَن كَفَر أو آمَن فبتفويضِ اللهِ أسبابَ ذلك إليه، وأن السببَ الذي به يصِلُ المؤمنُ إلى الإيمانِ هو السببُ الذي به (٥) يصل الكافرُ إلى الكفرِ. وذلك أن ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيثُ قد قال بقولِه: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾: فبما أصْلَحتَنى. إذ كان سببُ الإغواء هو سببَ الإصلاحِ، وكان في إخبارِه عن الإغواءِ إخبارٌ عن


(١) هو مدرج الريح، عامر بن المجنون الجرمي، والبيت في إصلاح المنطق ص ١٨٩، ٢٠٣، وتهذيبه ٢/ ٥٤، والمعاني الكبير ٢/ ١٠٤٧، والمخصص ٧/ ٤١، ١٨٠ (المجلد الثاني). وينظر الشعر والشعراء ٢/ ٧٣٦.
(٢) في المعانى الكبير "الأذناب".
(٣) يصف قوسًا، قال التبريزى في تهذيبه: أثناؤها: أطرافها الملتئبة، ورازئها، أي: أخذ منها شيئا، ليس فصيل هذه القوس يشرب منها لبنا كفصيل الناقة، ولا يؤذيه كثرة الشرب، يريد أنه لا يشرب في حال من الأحوال.
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٥) سقط من: م.