للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويعرِّفونكم أدلتى وأعلامى على صدق ما جاءوكم به من عندى، وحقيقة ما دَعَوْكم إليه من توحيدى، ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾. يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رسلى مما قصَّ عليه من آياتي وصدق، واتقى الله فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه على لسان رسوله، ﴿وَأَصْلَحَ﴾. يقولُ: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدًا قبل ذلك من معاصى الله بالتحوُّب (١) منها، ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾. يقول: فلا خوفٌ عليهم يوم القيامةِ مِن عقابِ اللَّهِ إِذا ورَدُوا عليه، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما فاتهم من دُنياهم التي تركوها، وشَهَواتِهم التي تجنبوها؛ اتباعًا منهم لنهى الله عنها، إذا عاينُوا مِن كرامة (٢) الله ما عاينوا هنالك.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ أبو عبد الله، قال: ثنا هَيَّاجٌ،

قال: ثنا عبد الرحمن بنُ زيادٍ، عن أبي سيَّارٍ السُّلَميِّ، قال: إن الله جعَل آدمَ وذريته في كفِّه، فقال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. ثم نظر إلى الرسل، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢)[المؤمنون: ٥١ - ٥٢]. ثم بثَّهم (٣).

فإن قال قائلٌ: فأين (٤) جوابُ قوله: ﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾؟

قيل: قد اختلف أهلُ العربية في ذلك؛ فقال بعضُهم في ذلك: الجوابُ مُضْمَرٌ، يَدُلُّ عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قولُه: ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾. وذلك لأنه حين قال: ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾. كأنه قال: فأَطِيعوهم.


(١) ينظر تفسير "التحوب" في ٦/ ٣٥٦ - ٣٥٨.
(٢) إلى هنا ينتهى الخرم المشار إليه في ص ١٤٣.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٨٢ إلى المصنف.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "ما".