للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنبِهم كثيبٌ أعْفرُ بقريةٍ من قُرى مصرَ تُدعَى عينَ شمسٍ، فمشَى موسى إلى ذلك الكثيبِ، فضَربَه بعصاه ضربةً صار قُمَّلًا تَدُبُّ إليهم - وهى دوابُّ سودٌ صغارٌ - فدبت إليهم القُمَّلُ، فأخَذت أشعارَهم وأبشارَهم وأشفارَ عيونِهم وحواجِبَهم، ولزِمَ جلودَهم، كأنه الجُدَرِيُّ عليهم، فصرَخوا وصاحوا إلى موسى: إنا نتوبُ ولا نعودُ، فادعُ لنا ربَّك. فدعَا ربَّه فرفَع عنهم القُمَّلَ بعدَ ما أقام عليهم سبعةَ أيامٍ مِن السبتِ إلى السبتِ، فأقاموا (١) شهرًا في عافيةٍ، ثم عادوا وقالوا: ما كنا قطُّ أحقَّ أن نستيقنَ أنه ساحرٌ منا اليومَ؛ جعَل الرملَ دوابَّ، وعزّةِ فرعونَ لا نُصَدِّقُه أبدًا ولا نتبعُه. فعادوا لتكذيبِهم وإنكارِهم، فدعا موسى عليهم، فقال: يا ربِّ إن عبادَك نقَضوا عهدى، وأخلَفوا وعدى، فخُذْهم بعقوبةٍ تجعلُها لهم نقمةً، ولقومى عِظةً، ولمن بعدى آيةً في الأممِ الباقيةِ. قال: فأرسَل اللهُ عليهم الضفادعَ، فكان أحدُهم يضطجعُ فتركَبُه الضفادعُ، فتكونُ عليه ركامًا حتى ما يستطيعُ أن يَنْصَرِفَ إلى شقِّه الآخرِ، ويفتحُ فاه لأكْلَتِه فيَسْبِقُ الضِّفْدَعُ أكْلَتَه إلى فيه، ولا يعجِنُ عجينًا إِلا تَسَدَّحَت (٢) فيه، ولا يطبُخُ قدرًا إِلَّا امتلأت ضَفادِعَ. فعُذِّبُوا بها أشدَّ العذابِ، فبكَوْا (٣) إلى موسى ، وقالوا: هذه المرّةَ نتوبُ ولا نعودُ. فأخذ عهودَهم (٤) وميثاقَهم، ثم دعا ربَّه، فكشَف اللهُ عنهم الضفادعَ بعد ما أقام عليهم سبعًا مِن السبتِ إلى السبتِ، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثم عادوا لتكذيبِهم وإنكارِهم، وقالوا: قد تبينَ لكم سِحْرُه؛ يجعَلُ الترابَ دوابَّ، ويجيءُ بالضفادعِ في غيرِ ماءٍ. فآذَوا موسى . فقال موسى: يا ربِّ إن عبادَك نقضوا عهدى، وأخلَفوا وعدى، فخُذْهم بعقوبةٍ تجعلُها لهم


(١) في الأصل: "فقاموا".
(٢) في الأصل، م، ف: "تشدخت". وانسدح الرجل: استلقى وفرَّج رجليه. ينظر اللسان (س د ح).
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "فشكوا".
(٤) في م: "عهدهم".