للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العربُ فيقولون: ما الجنُّ إلَّا كلُّ ما اجْتَنَّ فلم يُرَ. قال: وأما قولُه: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾. أى: كان مِن الملائكةِ، وذلك أن الملائكةَ اجْتنُّوا فلم يُرَوْا، وقد قال اللهُ تعالى ذكرُه: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات: ١٥٨]. وذلك لقولِ قريشٍ: إن الملائكةَ بناتُ اللهِ. فيقولُ اللهُ جلَّ ذكرُه: إن تكنِ الملائكةُ بناتى فإبليسُ منها، وقد جعَلوا بينى وبينَ إبليسَ وذريتِه نسَبًا. قال: وقد قال الأعْشَى؛ أعْشَى بنى قيسِ بنِ ثَعْلبةَ البَكْرىُّ، وهو يَذْكُرُ سليمانَ بنَ داودَ وما أعطاه اللهُ ﷿:

فلو كان شيءٌ خالدًا أو مُعمَّرًا … لكان سليمانُ البرِئَ مِن الدَّهرِ

بَرَاه إلهى واصطَفاه عِبادَه … وملَّكه ما بينَ ثريا (١) إلى مِصْرِ

وسخَّر من جنِّ الملائكِ تسعةً … قيامًا لديه يعملون بلا أجرِ

قال: فأبَت العربُ في لغتِها إلا أن الجنَّ كلُّ ما اجتَنَّ، وتقولُ: ما سمَّى اللهُ الجنَّ إلا أنهم اجْتنُّوا فلم يُرَوا، وما سمَّى بنى آدمَ الإنسَ إلا أنهم ظهَروا فلم يجتنُّوا، فما ظهَر فهو إنسٌ، وما اجْتنَّ فلم يُر فهو جِنٌّ (٢).

وقال آخَرون بما حدَّثنا به محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا ابنُ أبى عَدِيٍّ، عن عوفٍ، عن الحسنِ، قال: ما كان إبليسُ مِن الملائكةِ طَرْفةَ عينٍ قطُّ، وإنه لأصلُ


(١) في الأصل: "تونا"، وفى الأضداد: "ترنا".
(٢) أخرجه ابن الأنبارى في الأضداد ص ٣٣٥ من طريق ابن حميد وابن غانم، عن سلمة به مختصرا.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره ٥/ ١٦٥: وقد روى في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التى تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته الحق الذى بأيدينا، وفى القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة.