للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال هو وملائكتُه، إذ أَقَرَّ بنو آدمَ بربوبيتِه حينَ قال (١) لهم: ألستُ بربِّكم؟ فقالوا: بلى.

فتأويلُ الكلامِ على هذا التأويل: وإذ أخَذ ربُّك من بنى آدمَ من ظُهورِهم ذُرِّيَّتَهم وأشْهَدهم على أنفسِهم: ألستُ بربِّكم؟ قالوا: بلى. فقال الله وملائكتُه: شَهِدنا عليكم بإقرارِكم بأن الله ربُّكم؛ كَيْلا تَقُولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين.

وقد ذَكَرتُ الرواية عنه بذلك فيما مضَى، والخبرَ الآخر الذي رُوِى عن عبد الله بن عمرٍو، عن النبيِّ بمثل ذلك (٢).

وقال آخرون: ذلك خبرٌ من الله عن قيل بعض بني آدمَ لبعضٍ حينَ أَشْهَدَ اللَّهُ بعضَهم على بعضٍ. وقالوا: معنى قوله: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾: وأَشْهَدَ بعضَهم على بعضٍ بإقرارِهم بذلك. وقد ذَكَرتُ الرواية بذلك أيضًا عمَّن قاله قبلُ.

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى القولين في ذلك بالصوابِ ما رُوى عن رسولِ اللَّهِ إِنْ كان صحيحًا، ولا أعلمُه صحيحًا؛ لأن الثِّقاتِ الذين يُعْتَمَدُ على حفظِهم وإتقانهم حدَّثوا بهذا الحديثِ عن الثوريِّ فوَقَفُوه على عبدِ اللهِ بن عمرٍو ولم يَرْفَعوه، ولم يَذْكُروا في الحديث هذا الحرفَ الذي ذكَره أحمدُ بنُ أَبي طَيْبة (٣) عنه. وإن لم يَكُنْ ذلك عنه صحيحًا، فالظاهرُ يَدُلُّ على أنه يَدُلُّ على أنه خبرٌ من الله عن قيل بني آدمَ بعضِهم لبعضٍ؛ لأنه جلَّ ثناؤُه قال: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾. فكأنه قيل: فقال الذين شَهِدوا على المُقِرِّين حينَ أَقَرُّوا فقالوا:


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "قيل".
(٢) تقدم أثر السدى في ص ٥٦١، وحديث عبد الله بن عمرو تقدم في ص ٥٥٢، ٥٥٣.
(٣) في م: "ظبية".