للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نبوَّة أنبيائِهم. فوَصَفَهم ربُّنا جلَّ ثناؤُه بأنهم لا يَفْقَهون بها؛ لإعراضِهم عن الحقِّ، وتَرْكِهم تدبُّرَ صحةِ الرُّشْدِ، وبُطُولِ الكُفْرِ.

وكذلك قولُه: ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا﴾. معناه: ولهم أعينٌ لا يَنْظرونَ بها إلى آياتِ اللهِ وأدِلَّتِه، فيَتَأَمَّلُوها ويَتَفَكَّروا فيها، فيَعْلَموا بها صحةَ ما تَدْعوهم إليه رسلُهم، وفسادَ ما هم عليه مُقيمون من الشركِ بالله، وتكذيبِ رسلِه. فوَصَفَهم الله بتركِهم إعمالَها في الحقِّ، أَنَّهم (١) لا يُبْصرون بها. وكذلك قولُه: ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ آيات كتاب الله فيَعْتَبِروها ويَتَفَكَّروا فيها، ولكنَّهم يُعرضون عنها، ويقولون: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] وذلك نظيرُ وصف الله إياهم في موضعٍ آخرَ بقولِه: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٧١]. والعربُ تقولُ ذلك للتارِكِ استعمالَ بعضِ جوارحِه فيما يَصْلُحُ له. ومنه قولُ مسكين الدَّارِميِّ (٢):

أَعْمَى إِذا ما جارَتي خَرَجَتْ … حتى يُوَارِى جارتى السِّتْرُ (٣)

فأَصَمُّ (٤) عمَّا كان بينهما … سَمْعى [ومَا بالسَّمْع مِن] (٥) وَقْرِ

فوَصَفَ نفسَه لتَرْكه النظرَ والاستماعَ بالعمىَ والصَّمَمِ.

ومنه قولُ الآخرِ (٦):


(١) في م: "بأنهم".
(٢) ديوانه ص ٤٥.
(٣) في الديوان: "الخدر".
(٤) في م: "وأصم"، وفي الديوان: "ويصم".
(٥) في الديوان: "وما بي غيره". وبهذه العبارة تصبح "وقر" مرفوعة، فلا يكون في البيت إقواء.
(٦) هو عبد الله بن مرة العجلى. والبيتان في حماسة البحترى ص ١٧٢ كما ذكر ذلك الشيخ شاكر، أما البيت الأول فقد وجدناه في تفسير القرطبي ١/ ٢١٤.