للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿يُلْحِدُونَ﴾. قال: يشركون (١).

وأصل الإلحاد في كلام العرب، العُدُولُ عن القصد، والجَوْرُ عنه، والإعراضُ. ثم يُسْتَعْمَلُ في كلِّ مُعْوَجٍّ غير مستقيمٍ، ولذلك قيل للحدِ القبر: لَحْدٌ. لأنه في ناحيةٍ منه، وليس في وَسَطِه. يُقال منه: ألحَد فلانٌ يُلْحِدُ إلحادًا. ولَحَدَ يَلْحَدُ لَحْدًا ولُحُودًا. وقد ذُكِر عن الكِسائيِّ أنه كان يُفَرِّقُ بين الإلحادِ واللَّحْدِ؛ فيقولُ في الإلحاد: إنه العُدولُ عن القصدِ. وفي اللَّحْدِ: إنه الرَّكُونُ إلى الشيء. وكان يَقْرَأُ جميع ما في القرآن "يُلْحِدُون" بضَمِّ الياء وكسرِ الحاءِ، إلا التي في "النحلِ"، فإنه كان يَقْرَؤُها "يَلْحَدُون" بفتح الياءِ والحاءِ. ويَزْعُمُ أنه بمعنَى الرُّكُونِ (٢). وأما سائرُ أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ، فيَرَوْن أن معناهما واحدٌ، وأنَّهما لغتانِ جاءَتا في حرفٍ واحدٍ بمعنًى واحدٍ.

واخْتَلَفَتِ القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فَقَرَأَتْه عامَّة أهل المدينة وبعضُ البَصْرِيِّين والكوفيِّين: ﴿يُلْحِدُونَ﴾ بضمِّ الياء وكسر الحاء، مِن: ألْحَد يُلحِد. في جميع القرآن. وقرأَ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ أهل الكوفة (يَلْحَدون) بفتح الياءِ والحاءِ، من: لَحَدَ يَلْحَدُ (٣).

والصوابُ من القولِ في ذلك أنهما لغتانِ بمعنًى واحدٍ، فبأيَّتِهما قَرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك، غير أنِّى أختارُ القراءةَ بِضمِّ الياء، على لغةِ مَن قالَ:


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٦٢٣ من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/ ٢٤٤ عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٤٩ إلى عبد بن حميد.
(٢) ينظر السبعة ص ٢٩٨، ٣٧٥، والكشف عن وجوه القراءات ١/ ٤٨٤.
(٣) قرأ حمزة بفتح الياء، والحاء، ومثله في النحل والسجدة، ووافقه الكسائي على ذلك في النحل، وقرأ الباقون "يُلحِدون" بضم الياء وكسر الحاء. ينظر الكشف عن وجوه القراءات السبع ١/ ٤٨٤، ٤٨٥، والتيسير في القراءات السبع ص ٩٤.