للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشينِ، لَوَجَب أن يكونَ الكلامُ: فلمَّا آتاهُما صالحًا، جعَلا (١) لغيرِه فيه شِركًا؛ لأن آدمَ وحواءَ لم يَدِينا بأنَّ ولدَهما مِن عَطِيَّةِ إبليسَ ثم يَجْعَلا للَّهِ فيه شِركًا؛ بتَسْمِيَتِهما (٢) إياه بعبدِ اللَّهِ، وإنما كانا يدِينان - لا شكَّ - بأن ولدَهما مِن رزقِ اللَّهِ وعطيَّتِه، ثم سَمَّياه عبدَ الحارثِ، فجعَلا لإبليسَ فيه شِرْكًا بالاسمِ. فلو كانت قراءةُ مَن قَرَأَ (شِرْكًا) صحيحةً؛ وَجَب ما قلنا مِن (٣) أن يكونَ الكلامُ: جعَلا لغيرِه فيه شِركًا، وفى نزولِ وحى اللَّهِ بقولِه: ﴿جَعَلَا لَهُ﴾ ما يُوضِحُ عن أنَّ الصحيحَ مِن القراءةِ؛ ﴿شُرَكَاءَ﴾ بضمِّ الشينِ، على ما بَيَّنتُ قبلُ.

فإن قال قائلٌ: فإنَّ آدمَ وحواءَ إنما سَمَّيا ابْنَهما عبدَ الحارثِ، والحارثُ واحدٌ، وقولُه: ﴿شُرَكَاءَ﴾. جماعةٌ، فكيف وَصَفَهما جلَّ ثناؤُه بأنهما جعَلا له شركاءَ، وإنما أشْرَكا واحدًا؟

قيل: قدْ دَلَّلْنا فيما مضَى على أن العربَ تُخرِجُ الخبرَ عن الواحدِ، مُخْرَجَ الخبرِ الجماعةِ، إذا لم تَقْصِدْ واحدًا بعينِه ولم تُسَمِّه، كقولِه ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وإنما كان القائلُ ذلك واحدًا، فأَخْرَج الخبرَ مُخرجَ الخبرِ عن الجماعةِ، إذ لم يَقْصِدْ قَصْدَه. وذلك مُسْتَفِيضٌ في كلامِ العربِ وأشعارِها (٤).

وأمَّا قولُه: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، فتنزيهٌ مِن اللَّهِ نفسَه، وتعظيمٌ لها عما يقولُ فيه المُبْطِلون، ويَدْعون معه مِن الآلهةِ والأوثانِ.

كما حدَّثنا القاسِمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ:


(١) سقط من: ت ١، س، ف.
(٢) في م: "لتسميتهما".
(٣) ليست في: م، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٤) ينظر ما تقدم في ١/ ٣٠٢، ٢/ ٤٠٤ - ٤٠٦.