للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به، وانتهوْا إلى طاعة الله فيما فرَض عليهم، وتركوا فيه طاعة الشيطانِ.

واختلفت القرأةُ في قراءةِ قوله: (طَيْفٌ)؛ فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والكوفة ﴿طَائِفٌ﴾ على مثالِ "فاعلٍ"، وقرأه بعض المكيِّين والبصريِّينَ والكوفيين (طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) (١).

واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين الطائفِ والطَّيْف.

فقال بعضُ البصريين: الطائف والطيف سواءٌ، وهو ما كان كالخيال (٢) والشيءُ يُلِمُّ بكَ. قال: ويجوز أنْ يكونَ الطيفُ مخفَّفًا عن طيِّفٍ مثل مَيتٍ ومَيِّتٍ.

وقال بعضُ الكوفيين: الطائفُ، ما طافَ بك من وَسْوسةِ الشيطانِ. وأمَّا الطيفُ: فإنما هو من اللمم (٣) والمَسِّ.

وقال آخرُ منهم: الطيفُ: اللَّممُ. والطائف: كلُّ شيءٍ طاف بالإنسان.

وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقولُ: الطيفُ: الوسْوسةُ.

قال أبو جعفر: وأوْلَى القراءتين في ذلك عندِى بالصواب (٤) قراءة من قرَأه (٥): ﴿طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾؛ لأنّ أهلَ التأويل تأوّلوا ذلك بمعنى الغضب أو (٦) الزَّلة تكون من المَطِيف به. وإذا كان ذلك معناه، كان معلومًا - إذ كان الطيفُ إنما هو مصدرٌ من قول القائل: طاف يَطِيفُ - أنّ ذلك خبرٌ من الله عما يمس الذين اتقوا من الشيطانِ، وإنّما يَمسُّهم ما طاف بهم من أسبابِه، وذلك كالغضبِ والوسوسةِ، وإنما


(١) أما قراءة ﴿طائف﴾ فهى قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة. وأما قراءة (طَيْفٌ) مثل ضيف فهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي. ينظر الكشف عن وجوه القراءات ١/ ٤٨٦، ٤٨٧، والتيسير ص ٩٤.
(٢) في ص، ف: "كالجبال".
(٣) اللمم: الجنون. اللسان (ل م م).
(٤) القراءتان كلتاهما صواب.
(٥) في م: "قرأ".
(٦) في م: "و".