للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾، فقرَأ حتَّى بَلَغ: ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: فسَلِّموا للهِ ولرسوله يحكُمان فيها بما شاءَا (١)، ويضعانها حيثُ أرادا، فقالوا: نعم. ثم جاء بعدَ الأربعين: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ الآية [الأنفال: ٤١]، ولكم أربعة أخماس. وقال النبي يوم خيبَرٍ: "وَهَذَا الخُمُسُ مَرْدُودٌ على فُقَرائِكُمْ". يَصْنَعُ اللَّه ورسوله في ذلكَ الخُمْسِ مَا أَحَبَّا، ويَضَعَانِه حَيْثُ أحَبَّا. ثم أخبرنا (٢) الله [بالذى يحِبُّ] (٣) من ذلك، ثم قرأ الآيةَ: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى والْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ (٤) [الحشر: ٧].

قال أبو جعفر: والصوابُ من القول في ذلك أن يقالَ: إن اللهَ جلَّ ثناؤُه أخبرَ أنه جعَل الأنفال لنبيِّه ، يُنفِّلُ مَن شاء، فنفّل القاتل السَّلَبَ، وجعَل للجيشِ في البدْأَةِ الرُّبعَ، وفي الرجعةِ الثُّلثَ بعدَ الخُمُسِ، ونفّل قوما بعد سُهمانِهم (٥) بعيرا بعيرا في (٦) بعض المغازى، فجعَل الله تعالى ذكره حكم الأنفالِ إلى نبيِّه ، يُنفِّلُ على ما يرَى مما فيه صلاح المسلمين، وعلى من بعده من الأئمةِ أَنْ يَستَنُّوا بسُنَّتِهِ في ذلك. وليس في الآية دليلٌ على أن حكمها منسوخ؛ لاحتمالها ما ذكَرتُ من المعنى الذى وصَفتُ، وغير جائز أن يُحكَمَ بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخٌ إلا بحجة يجب التسليم لها، فقد دَلَّلْنا في غير موضع من كُتُبنا (٧) على أن لا منسوخ إلَّا ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه، ينفيه من كلِّ معانيه، أو يأتى خبرٌ يوجِبُ


(١) في م: "شاء".
(٢) في ت ١، س: "اختبرنا".
(٣) في م: "الذي يجب".
(٤) ذكره البغوى في تفسيره ٣/ ٣٢٥ مختصرا.
(٥) في ت ١، س، ف: "سهامهم".
(٦) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "وفي".
(٧) في ت ١، س، ف: "كتابنا".