للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى القراءتَيْن بالصوابِ قراءةُ مَن قرَأه: ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾؛ لأنَّ اللهَ تعالى ذكرُه قد أخْبَر في الحرفِ الذى يتْلُوه بأنَّ إبليسَ أخرَجَهُما مما كانا فيه، وذلك هو مَعْنى قولِه: (فأزالهما) (١). فلا وجهَ -إذ كان معنى الإزالةِ معنى التَّنْحِيةِ والإخْراجِ- أن يُقالَ: (فأزالهما الشيطانُ عنها فأخْرَجَهما مما كانا فيه) فيكونُ كقولِه: فأزالهما الشيطانُ عنها فأزالهما مما كانا فيه. ولكنِ المعنى المفهومُ أن يُقالَ: فاسْتَزَلَّهما إبليسُ عن طاعةِ اللهِ -كما قال تعالى ذكرُه: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾. وقرَأَت به القَرأَةُ- فأخْرَجَهما باسْتِزْلالِه إياهما عن (٢) الجنةِ.

فإن قالَ قائلٌ: وكيف كان اسْتِزْلالُ إبليسَ آدمَ وزوجتَه ، حتى أُضِيفَ إليه إخراجُهما مِن الجنةِ؟

قيل: قد قالت العلماءُ في ذلك أقوالًا سنَذكُرُ بعضَها.

فحُكِى عن وهبِ بنِ مُنبِّهٍ فى ذلك ما حَدَّثَنَا به الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا عمرُ (٣) بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ مُهْرِبٍ، قال: سمِعْتُ وهْبَ ابنَ مُنَبِّهٍ يقولُ: لمَّا أسْكَن اللهُ آدمَ وذريتَه، أو زوجتَه -الشكُّ مِن أبى جعفرٍ، وهو في أصلِ كتابِه: وذريتَه- ونهاه عن الشجرةِ، وكانت شجرةً غُصونُها مُتَشَعِّبٌ بعضُها في بعضٍ، وكان لها ثمرٌ تَأْكُلُه الملائكةُ لخُلدِهم، وهى الثمرةُ التى نهَى اللهُ عنها آدمَ وزوجتَه، فلمَّا أراد إبليسُ أن يَستَزِلَّهما، دخَل في جوفِ الحيَّةِ، وكانت للحيَّةِ أربعُ قَوائِمَ كأنها بُخْتيَّةٌ (٤) مِن أحسنِ دابةٍ خلَقها اللهُ جلَّ ثناؤُه، فلمّا دخَلَت الحيةُ الجنةَ،


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فأزلهما".
(٢) في م: "من".
(٣) في م: "عمرو".
(٤) البختية: الأنثى من الجمال البُخْتِ، والذكر بختيٌّ، وهى جمال طوال الأعناق، وتجمع على بُخْت وبخاتيِّ -غير مصروف- واللفظة معربة. النهاية ١/ ١٠١.