للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن عكرمةَ: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ﴾. قال: الرءوسَ (١).

واعتلَّ قائلو هذه المقالةِ بأن الذى فوقَ الأعناقِ [الرءوسُ. قالوا: وغيرُ جائزٍ أن تقولَ: فوقَ الأعناقِ] (٢). فيكونَ معناه: الأعناقَ. قالوا: ولو جازَ ذلك كان أن يُقالَ: تحتَ الأعناقِ. فيكون معناه: الأعناق. قالوا: وذلك خلافُ المعقولِ من الخطابِ، وقلبُ معانى الكلامِ.

وقال آخرون: معنى ذلك: فاضرِبوا على الأعناقِ. وقالوا: "على" و "فوقَ" معناهما مُتقارِبان، فجاز أن يُوضَعَ أحدُهُما مكانَ الآخرِ.

والصوابُ من القولِ فى ذلك أن يُقالَ: إن اللهَ أمَر المؤمنينَ مُعلِّمَهم كيفيةَ قتلِ المشركين وضرِبهم بالسيفِ، أن يضرِبوا فوقَ الأعناقِ منهم والأيديَ والأرجلَ. وقولُه: ﴿فَوْقَ الْأَعْنَاقِ﴾. مُحتملٌ أن يكونَ مرادًا به الرءوسُ، ومحتملٌ أن يكونَ مرادًا به: مِن (٣) فوقِ جلدةِ الأعناقِ، فيكونَ معناه: على الأعناقِ، وإذا احتَمل ذلك صحَّ قولُ من قال: معناه: الأعناقُ. وإذا كان الأمرُ محتمِلًا ما ذكرنا من التأويلِ، لم يكنْ لنا أن نوجِّهَه إلى بعضِ معانيه دونَ بعضٍ، إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ لها، ولا حجةَ تدلُّ على خصوصِه، فالواجبُ أن يُقالَ: إن اللهَ أمر بضربِ رءوسِ المشركينِ وأعناقِهم وأيدِيهم وأرجلِهم، أصحابَ نبيِّه الذين شهِدوا معه بدرًا.

وأما قولُه: ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾. فإن معناه: واضرِبوا، أيها المؤمنون، من عدوِّكم كلَّ طَرَفٍ ومَفْصِلٍ من أطرافِ أيدِيهم وأرجلِهم.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره ٥/ ١٦٦٨ من طريق الحسين به.
(٢) سقط من: ت ١، ت ٢، س، ف.
(٣) ليس في: م، ت ١، ت ٢.