للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسانِ وقلبِه فلا يستطيعُ أن يؤمنَ ولا يكفرَ إلا بإذنِه (١).

وقال آخرون: معنى ذلك أنه قريبٌ من قلبِه لا يَخفَى عليه شيءٌ أَظْهَره أَو أَسرَّه.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، قال: ثنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾. قال: هي كقولِه: ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (٢) [ق: ١٦].

وأولى الأقوالِ بالصوابِ عندى فى ذلك أن يقالَ: إن ذلك خبرٌ من اللهِ ﷿ أنه أملكُ لقلوبِ عبادِه منهم (٣)، وأنه يحولُ بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدِرَ ذو قلبٍ أن يدرِكَ به شيئًا من إيمانٍ أو كفرٍ، أو أن يعىَ به شيئًا، أو أن يفهمَ، إلا بإذنِه ومشيئتِه، وذلك أن الحولَ بينَ الشيءِ والشيءِ إنما هو الحجزُ بينهما، وإذا حجَز جلَّ ثناؤُه بين عبدٍ وقلبِه في شيءٍ أن يُدْركَه أو يفهَمَه، لم يكنْ للعبدِ إلى إدراكِ ما قد منَع اللهُ قلبَه إدراكَه سبيلٌ. وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك قولُ من قال: يحولُ بينَ المؤمنِ والكفرِ، وبين الكافرِ والإيمانِ، وقولُ من قال: يحولُ بينَه وبينَ عقله. وقولُ من قال: يحولُ بينَه وبينَ قلبِه حتى لا يستطيعَ أن يؤمنَ ولا يكفرَ إلا بإذنِه؛ لأن اللهَ ﷿ إذا حال بينَ عبدٍ وقلبِه، لم يفهَمِ العبدُ بقلبِه الذي قد حِيل بينَه وبينَه ما مُنِع إدراكَه به، على ما بيَّنتُ. غيرَ أنه ينبغي أن يقالَ: إن اللهَ عمَّ بقولِه: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾. عن الخبرِ أنه يحولُ بينَ العبدِ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٦٨١ من طريق أسباط به بنحوه.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٥٧٥ عن قتادة. وأخرجه عبد الرزاق فى تفسيره ١/ ٢٥٧ عن معمر من قوله.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "منه".