للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾. فنسَخت هذه ما كان قبلَها في سورةِ "الحشرِ"، وجُعِلَ الخُمُسُ لمن كان له الفئُ فى سورةِ "الحشرِ"، وسائرُ ذلك لمن قاتل عليه (١).

وقد بيَّنا فيما مضَى الغنيمةَ، وأنها المالُ يُوصلُ إليه من مالِ من خوَّل اللهُ مالَه أهلَ دينِه، بغلبةٍ عليه وقهرٍ بقتالٍ (٢).

فأما الفيءُ فإنه ما أفاءه اللهُ على المسلمين من أموالِ أهلِ الشركِ، وهو ما ردَّه عليهم منها بصُلْحٍ من غيرِ إيجافِ (٣) خيلٍ ولا ركابٍ. وقد يجوزُ أَن يُسَمَّى ما رَدَّتْه عليهم منها سيوفُهم ورماحُهم وغيرُ ذلك من سلاحِهم فيئًا، لأن الفيءَ إنما هو مصدرٌ من قولِ القائلِ: فاء الشيءُ يفئُ فيئًا. إذا رجَع، وأفاءه اللهُ: إذا ردَّه.

غيرَ أن الذى ردَّ (٤) حُكْمَ اللهِ فيه من الفيءِ بحُكْمِه (٥) في سورةِ "الحشرِ"، إنما هو ما وصفتُ صفتَه من الفيءِ دونَ ما أُوجِفَ عليه منه بالخيلِ والركابِ؛ لعللٍ قد بَيَّنْتُها في كتابِنا "كتابِ لطيفِ القولِ فى أحكامِ شرائعِ الدينِ) وسَنُبيِّنُه أيضًا في تفسيرِ سورةِ "الحشرِ" إذا انتهينا إليه إن شاء اللهُ تعالى.

وأما قولُ مَن قال: الآية فى سورةِ "الأنفالِ" ناسخةٌ الآيةَ في سورةِ "الحشرِ"، فلا معنَى له، إذ كان لا معنَى في إحدى الآيتين يَنْفِى حُكْمَ الأخرى. وقد بيَّنا أن معنَى النسخِ هو نفىُ حكمٍ قد ثبَت بحكمٍ خلافُه في غيرِ موضعٍ بما أغنَى عن إعادتِه


(١) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٦/ ١٩٢، ١٩٣ إلى عبد بن حميد، وينظر الناسخ والمنسوخ ص ٧٠٣.
(٢) تقدم ص ٥ - ١٢.
(٣) أوجفه: حثّه. والإيجاف: التحريك والإسراع. التاج (و ج ف).
(٤) فى م: "ورد".
(٥) في م: "يحكيه".