للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (١) [الأعراف: ٢٣].

وقد قرَأَ بعضُهم: (فَتَلَقَّى آدَمَ مِن ربِّهِ كَلماتٌ) (٢). فجعَل "الكلماتِ" هى المُتَلَقِّيةَ آدمَ. وذلك وإن كان مِن جِهةِ العربيةِ جائزًا -إذ كان كلُّ ما تَلقَّاه الرجلُ فهو له مُتَلَقٍّ، وما لقِيه ففد لقِيه، فصار للمتكلمِ أن يُوَجِّهَ الفعلَ إلى أيِّهما شاء، ويُخْرِجَ مِن الفعلِ أيَّهما أحبَّ- فغيرُ جائزٍ عندى في القراءةِ إلَّا رفعُ "آدمَ" (٣) على أنَّه المُتَلَقِّى "الكلماتِ"؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن القَرأةِ وأهلِ التأويلِ مِن علماءِ السلفِ والخلفِ على توجيهِ التَّلَقِّى إلى آدمَ دونَ الكلماتِ، وغيرُ جائزٍ الاعْتراضُ عليها فيما كانت عليه مُجْمِعةً بقولِ مَن يجوزُ عليه السهوُ والخطأُ.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في أعْيانِ الكلماتِ التى تَلقَّاها آدمُ مِن ربِّه؛ فقال بعضُهم بما حَدَّثَنَا به أبو كُرَيْبٍ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ عَطِيةَ، عن قيسٍ، عن ابنِ أبى ليلي، عن المِنْهالِ، عن سعيدٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾. قال: أىْ ربِّ، ألم تَخْلُقْنى بيدِك؟ قال: بلى. قال: أيْ ربِّ، ألم تَنفُخْ فيَّ مِن رُوحِك؟ قال: بلى. قال: أىْ رَبِّ، أَلَمْ تُسْكِنِّى جنَّتَك؟ قال: بلى. قال: أىْ ربِّ، ألم تَسْبِقْ رحمتُك غضبَك؟ قال: بلى. قال: أرأَيْتَ إن (٤) تُبْتُ وأصْلَحْتُ، أراجِعى أنت إلى الجنةِ؟ قال: بلى (٥). قال: فهو قولُه: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١١٦ عن ابن زيد.
(٢) هذه قراءة ابن كثير. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ١٥٣.
(٣) بل قراءة الرفع والنصب متواترتان.
(٤) بعده في م: "أنا".
(٥) في م: "نعم". وهو وجه الكلام، وتظاهرت النسخ على "بلى"، وكذا هو في التاريخ للمصنف، والمستدرك.