للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾. قال: هؤلاء المنافقون لا تَعْلَمونهم؛ لأنهم معكم يقولون: لا إلهَ إلا اللَّهُ، ويَغْرُون معكم.

وقال آخرون: هم قومٌ مِن الجنِّ.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن اللَّهَ أمَر المؤمنين بإعدادِ الجهادِ وآلةِ الحربِ وما يَتَقَوَّون به على جهادِ عدوِّه وعدوِّهم مِن المشركين مِن السلاحِ والرمِي وغيرِ ذلك ورباطِ الخيلِ، ولا وجهَ لأن يقالَ: عُنِى بالقوةِ معنًى دونَ معنًى مِن معاني القوةِ، وقد عمَّ اللَّهُ الأمرَ بها.

فإن قال قائلٌ: فإن رسولَ اللَّهِ قد بيَّن أن ذلك مرادٌ به الخصوصُ بقولِه: "ألا إن القوةَ الرميُ"؟

قيل له: إن الخبرَ، وإن كان قد جاء بذلك فليس في الخبرِ ما يَدلُّ على أنه مرادٌ بها الرميُ خاصةً دونَ سائرِ معاني القوةِ عليهم، فإن (١) الرميَ أحدُ معاني القوةِ؛ لأنه إنما قيل في الخبرِ: "ألا إن القوةَ الرمىُ". ولم يُقَلْ: دونَ غيرِها. ومن القوةِ أيضًا السيفُ والرمحُ والحربةُ، وكلُّ ما كان مَعونةً على قتالِ المشركين، كمعونةِ الرميِ أو أبْلَغَ مِن الرميِ فيهم وفى النِّكايةِ منهم، هذا مع وَهَاءِ سندِ الخبرِ بذلك عن رسولِ اللَّهِ (٢).

وأما قولُه: ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ﴾. فإن قولَ مَن قال: عُنِى به الجنُّ. أقربُ وأشبهُ بالصوابِ؛ لأنه جلَّ ثناؤُه قد أدْخَل بقولِه: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾. الأمرَ بارتباطِ الخيلِ لإرهابِ كلِّ عدوٍّ


(١) بعده في ص، ف: "كان".
(٢) أخرجه أحمد ٢٨/ ٦٤٢ (١٧٤٣٢)، ومسلم (١٩١٨) وغيرهما من حديث عقبة بن عامر بهذا اللفظ، ولعل المصنف قصد الرواية الأخرى وهى: "ألا إن الرمي هو القوة".