للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾. فلم يكن التخفيفُ إلا بعدَ التثقيلِ، ولو كان ثبوتُ العشرةِ منهم للمائةِ مِن عدوِّهم، كان غيرَ فرضٍ عليهم قبلَ التخفيفِ، وكان ندبًا، لم يكنْ للتخفيفِ وجهٌ؛ لأن التخفيفَ إنما هو ترخيصٌ في تركِ الواحدِ من المسلمين الثبوتَ للعشرَةِ من العدوِّ، وإذا لم يكن التشديدُ قد كان له مُتقدِّمًا، لم يكنْ للترخيصِ وجهٌ، إذ كان المفهومُ مِن الترخيصِ إنما هو بعدَ التشديدِ. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن حكمَ قولِه: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ ناسخٌ لحكم قوله: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. وقد بَيَّنَّا في كتابِنا (١) "لطيفِ البيانِ عن أصولِ الأحكامِ"، أن كلَّ خبرٍ مِن اللَّهِ وَعَدَ فيه عبادَه على عملٍ ثوابًا وجزاءً، وعلى تَرْكِه عقابًا وعذابًا، وإن لم يكنْ خارجًا ظاهرُه مخرجَ الأمرِ، ففى معنى الأمرِ، بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ.

واختلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾.

فقرأه بعضُ المدنيِّين وبعضُ البصريِّين: (وَعَلِمَ أنَّ فيكم ضُعْفًا). بضَمِّ الصَادِ في جميعِ القرآنِ، وتنوينِ الضعفِ على (٢) المصدرِ من: ضَعُفَ الرجلُ ضُعْفًا (٣).

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيِّين: ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾، بفتحِ الضادِ على المصدر أيضًا مِن ضَعُف (٤).


(١) في ص، ت ٢، س، ف: "كتاب".
(٢) في ت ٢: "من".
(٣) هذه قراءة نافع وأبي عمرو وابن كثير والكسائي وابن عامر. السبعة ص ٣٠٨، ٣٠٩.
(٤) قرأ بذلك عاصم وحمزة. وخالف حفص عاصمًا فقرأ عن نفسه لا عن عاصم في الروم: (ضُعفٍ … ضعفًا) بالضم جميعًا. السبعة لابن مجاهد ص ٣٠٩.