للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥] سبَق ذلك وسبَق أن لا يُؤاخِذَ قومًا فَعَلُوا شيئًا بجهالةٍ ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ قال ابن جريجٍ: قال ابن عباسٍ: ﴿فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾: مما أسَرْتم. ثم قال بعد: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ﴾.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: عاتَبَه في الأسارى وأخذِ الغنائمِ، ولم يكنْ أحدٌ قبلَه من الأنبياءِ يأكلُ مغنمًا من عدوٍّ له (١).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن محمدٍ، قال (٢): ثني أبو جعفرٍ محمدُ بن عليّ بن الحسينِ بن عليّ بن أبى طالبٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ : "نُصرتُ بالرُّعبِ، وجُعِلَت لِىَ الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، وأُعطِيتُ جوامعَ الكَلِمِ، وأُحِلَّت لىَ المغائمُ ولم تَحِلُّ لنبيٍّ كان قَبْلى، وأُعطِيتُ الشفاعةَ، خمسٌ لم يؤتهنَّ نبيٌّ كان قبْلى". قال محمدٌ: فقال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾. أي: قبلَك ﴿أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾، إلى قوله: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾. أي: من الأُسارى والمغانمِ، ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾: أي لولا أنه سبَق منى أن لا أُعَذِّبَ إلا بعدَ النهى، ولم أكُنْ نَهَيتُكم، لعذَّبتُكم فيما صنَعتم، ثم أُحِلُّها له ولهم، رحمةً ونعمةً وعائدةً من الرحمنِ الرحيمِ (١).

قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ ما قد بَيَّناه قبلُ. وذلك أن قولَه: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾. خبرٌ عامٌّ غيرُ محصورٍ على معنًى دونَ معنًى، وكلُّ هذه المعانى التي ذكرتُها عمَّن ذكَرتُ مما قد سبَق في كتابِ اللَّهِ أَنه لا يُؤَاخِذُ بشيءٍ منها هذه الأمةَ، وذلك ما عَمِلوا من عملٍ بجهالةٍ، وإحلال الغنيمةِ، والمغفرةُ


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٦٧٦.
(٢) بعده في م: "ثنى أبو سلمة، عن محمد، قال".