للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.

فإن ظَنَّ ظانٌّ أن قولَ الله تعالى ذكرُه: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ يدلُّ على خلافِ ما قُلنا في ذلك، إذ كان ذلك يُنْبِئُ علي (١) أن الفرضَ على المؤمنين كان بعدَ انقضاء الأشهر الحُرُم، قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ، فإن الأمرَ في ذلك بخلافِ ما ظَنَّ، وذلك أن الآية التي تَتْلُو ذلك تنبئُ (٢) عن صحةِ ما قُلْنا، وفسادِ ما ظَنَّه مَن ظَنَّ أن انسلاخَ الأشهرِ الحُرُم كان يُبيحُ قتلَ كلِّ مُشْرِكٍ، كان له عهدٌ من رسولِ الله ، أو لم يكنْ كان له منه عهدٌ، وذلك قوله: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٧]. فهؤلاء مُشْرِكون، وقد أمر الله نبيَّه والمؤمنين بالاستقامةِ لهم في عهدِهم، ما استَقاموا لهم بتَرْكِ نقض صُلْحِهم، وتَرْكِ مُظاهرة عدوِّهم عليهم.

وبعدُ، ففى الأخبار المُتظاهرة عن رسول الله : أنه حينَ بَعَث عليًّا، بـ "براءةَ" إلى أهل العهودِ بينَه وبينَهم، أمَره فيما أمَره أن يُنادِىَ به فيهم: ومَن كان بينَه وبينَ رسول الله ، عهدٌ، فعهدُه إلى مُدَّتِه أوضحُ الدليل على صحةِ ما قُلنا. وذلك أن الله لم يأمُرْ نبيَّه بنَقْضِ عهدِ قومٍ كان عاهَدهم إلى أَجَلٍ، فاستقاموا على عهدهم (٣) بتَرْكِ نَقْضِه، وأنه إنما أَجَّل أربعةَ أشهرٍ مَن كان قد نَقَض عهدَه قبلَ التأجيل، أو مَن كان له عهدٌ إلى أجلٍ غيرِ محدودٍ. فأمَّا مَن كان أجلُ عهدِه محدودًا، ولم يجعلْ بنَقْضِه على نفسِه سبيلًا، فإن رسول الله كان بإتمامِ


(١) في م: "عن".
(٢) في ص، ف: "تبين".
(٣) في م: "عهده".