السُّدِّيِّ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾. قال: افْتَخَر عليٌّ وعباسٌ وشيبةُ بنُ عثمانَ؛ فقال العباسُ: أنا أفضلُكم؛ أنا أسْقِى حُجَّاجَ بيتِ الله. وقال شيبةُ: أنا أعْمُرُ مسجدَ الله. وقال عليٌّ: أنا هاجَرْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ، وأجاهِدُ معه في سبيل اللهِ. فأنزَل اللهُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ إِلَى ﴿نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾.
حُدِّثْتُ الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ، قال: ثنا عُبَيدُ بنُ عن سليمانَ، قال: سمِعتُ الضَّحَّاكَ يقولُ في قولِه: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ الآية: أقبلَ المسلمون على العباسِ وأصحابِه الذين أُسِرُوا يومَ بدرٍ يُعَيِّرُونهم بالشِّرْكِ، فقال العباسُ: أمَا واللهِ لقد كُنَّا نَعْمُرُ المسجدَ الحرامَ، ونَفُكُّ العانِيَ، ونَحْجُبُ البيتَ، ونَسْقِى الحاجَّ. فأنزَل الله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ الآية.
فتأويل الكلامِ إذن: أجَعَلْتُم، أيُّها القومُ، سِقايةَ الحاجِّ، وعمارةَ المسجدِ الحرامِ، كإيمانِ مَن آمَن باللهِ واليومِ الآخرِ، وجاهَد في سبيلِ اللهِ! ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾: و هؤلاء وأولئك، ولا تَعْتَدِلُ أحوالُهما عندَ اللهِ ومَنازِلُهما؛ لأن الله تعالى لا يَقْبَلُ بغيرِ الإيمانِ به وباليومِ الآخرِ عملًا، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. يقولُ: والله لا يُوفِّقُ لصالحِ الأعمالِ مَن كان به كافرًا، ولتوحيدِه جاحِدًا.
ووُضِع الاسمُ موضعَ المصدرِ في قولِه: ﴿كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾؛ إذ كان معلومًا معناه، كما قال الشاعرُ (١):