للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جائزًا- أن يَقولَ قائلٌ: لا تكونوا أولَ رجلٍ قام؟

قيل له: إنما يَجوزُ توحيدُ ما أُضِيف إليه "أفَعْل" وهو خبرٌ لجميعٍ، إذا كان اسمًا مشتقًّا مِن "فَعَلَ ويَفْعُلُ"؛ لأنه يؤدِّى عن المرادِ معه المحذوفَ مِن الكلامِ، وهو "مَن"، ويَقومُ مَقامَه في الأداءِ عن معنى ما كان يؤَدِّى عنه "مَن"، مِن الجمعِ والتأنيثِ، وهو في لفظٍ واحدٍ. ألا تَرَى أنك تقولُ: ولا تكونوا أولَ مَن يَكْفُرُ به. فـ"مَن" بمعنى جمعٍ، وهو غيرُ مُتَصَرِّفٍ تَصَرُّفَ الأسماءِ للتثنيةِ والجمعِ والتأنيثِ، فإذا أُقِيم الاسمُ المشتقُّ مِن "فَعَلَ ويَفْعُلُ" مُقامَه، جرَى وهو موحَّدٌ مَجْراه في الأداءِ عما كان يُؤَدِّى عنه "مَنْ" مِن معنى الجمعِ والتأنيثِ، كقولِك: الجيشُ مُنْهَزِمٌ (١)، والجُنْدُ مُقْبِلٌ (٢). فتُوَحِّدُ الفعلَ لتوحيدِ لفظِ الجيشِ والجندِ، وغيرُ جائزٍ أن يُقالَ: الجيشُ رجلٌ، والجندُ غلامٌ. حتى تقولَ: الجندُ غِلْمانٌ، والجيشُ رجالٌ. لأن الواحدَ مِن عددِ الأسماءِ التي هى غيرُ مشتقةٍ مِن "فَعَلَ ويَفْعُلُ" لا يُؤَدِّى عن معنى الجماعةِ منهم، ومِن ذلك قولُ الشاعر (٣):

وإذا هُمُ طعِموا فأَلْأَمُ طاعِمٍ … وإذا هُمُ جاعوا (٤) فشرُّ جِياعِ

فوحَّد مرَّةً على ما وصَفْتُ مِن نيةِ "مَن"، وإقامةِ الظاهرِ مِن الاسمِ الذى هو مشتقٌّ مِن "فَعَلَ ويَفْعُلُ" مُقامَه، وجمَع أُخرى على الإخراجِ على عددِ الأسماءِ المُخْبَرِ عنهم، ولو وحَّد حيثُ جمَع أو جمَع حيثُ وحَّد، كان صوابًا جائزًا.

وأما تأويلُ ذلك فإنه يَعْنى به: يا معشرَ أحبارِ أهلِ الكتابِ، صدِّقوا بما أنْزَلْتُ


(١) في م: "ينهزم".
(٢) في م: "يقبل".
(٣) ذكره أبو زيد في النوادر ص ١٥٢، والفراء في معانى القرآن ١/ ٣٣.
(٤) في النوادر: "عاعوا". وهى رواية في البيت.