للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فقال معاوية: إنما هي في أهل الكتاب. قال: فقلتُ: إنها لفينا وفيهم (١).

حدثني يعقوب بن إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرنا حُصَيْنٌ، عن زيدِ بن وَهْبٍ، قال: مَرَرْتُ بالرَّبَذَةِ فإذا أنا بأبى ذَرٍّ، قال: قلتُ له: ما أنزَلك منزلك هذا؟ قال: كنتُ بالشامِ فاخْتَلَفتُ أنا ومعاوية في هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. قال: فقال: نَزَلَت في أهلِ الكتاب، فقلتُ: نَزَلَت فينا وفيهم. ثم ذكر نحو حديثِ هُشَيمٍ، عن حصينٍ.

فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: ﴿وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. فأُخرِجَت الهاءُ والألفُ مُخرجَ الكناية عن أحد النوعين؟

قيل: يحتمل ذلك وجهين:

أحدهما: أن يكونَ الذهبُ والفضةُ مُرادًا بها الكنوزُ، كأنه قيل: والذين يَكْنِزون الكُنُوزَ ولا يُنفِقونها في سبيلِ الله. لأن الذهبَ والفضةَ هي الكنوزُ في هذا الموضع.

والآخَرُ: أن يكونَ اسْتُغْنى بالخبرِ عن إحداهما في عائدِ ذِكْرِهما، من الخبر عن الأُخرى؛ لدلالة الكلامِ على أن الخبرَ عن الأخرى مثلُ الخبرِ عنها، وذلك كثيرٌ موجودٌ في كلام العرب وأشعارِها، ومنه قولُ الشاعر (٢):


(١) أخرجه المصنف في تهذيب الآثار. (٤٩٢ - مسند ابن عباس)، وأخرجه ابن سعد ٤/ ٢٢٦ من طريق هشام به، وأخرجه الخلال في السنة (٥٠) من طريق ابن سيرين به.
(٢) هو عمرو بن امرئ القيس، كما في جمهرة أشعار العرب ٢/ ٦٧٥، والخزانة ٤/ ٢٧٥. ونسبه سيبويه في الكتاب ١/ ٧٥ إلى قيس بن الخطيم، والبيت في ديوانه ص ١٧٣؛ ضمن الأشعار المنسوبة إليه.