للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن اللُّبْسِ قولُ الأخطلِ (١):

ولقد لبِسْتُ لهذا الدهرِ أعْصُرَه … حتى تجَلَّل رأسى الشَّيْبُ واشْتَعَلا

ومِن اللَّبْسِ قولُ اللهِ جل ثناؤُه: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف كانوا يَلْبِسون الحقَّ بالباطلِ وهم كفارٌ؟ وأىُّ حقٍّ كانوا عليه مع كفرِهم باللهِ؟

قيل: إنه كان فيهم مُنافِقون منهم يُظْهِرون التَّصْديقَ بمحمدٍ ويَسْتَبْطِنون الكفرَ به، وكان عُظْمُهم يَقُولون: محمدٌ نبىٌّ مبعوثٌ، إلا أنه مبعوثٌ إلى غيرِنا. فكان لَبْسُ المنافقِ منهم الحقَّ بالباطلِ إظهارَه الحقَّ بلسانِه وإقرارَه بمحمدٍ وبما جاء به جِهارًا، وخلْطَه ذلك الظاهرَ مِن الحقِّ بالباطلِ الذى يَسْتَبْطِنُه، وكان لَبْسُ المُقِرِّ منهم بأنه مَبعوثٌ إلى غيرِهم، الجاحدِ أنه مبعوثٌ إليهم، إقرارَه بأنه مبعوثٌ إلى غيرِهم -وهو الحقُّ- وجحودَه أنه مَبعوثٌ إليهم وهو الباطلُ، وقد بعَثه اللهُ إلى الخلقِ كافَّةً، فذلك خلْطُهم الحقَّ بالباطلِ ولَبْسُهم إياه به.

كما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾. قال: لا تَخْلِطوا الصدقَ بالكذبِ (٢).

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: حدَّثنا آدمُ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾. يقولُ: لا تَخْلِطوا الحقَّ بالباطلِ، وأدُّوا


(١) شرح ديوان الأخطل ص ٣٤٧.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٦٤ إلى المصنف.