للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لشرفهم فيهم، فقال: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (١).

فعلى هذا التأويل: وفيكم أهلُ سَمْعٍ وطاعة منكم، لو صحبوكم أفسدوهم عليكم بتَثْبيطهم إياهم عن السَّيْرِ معكم.

وأما على التأويل الأوَّلِ فإن معناه: وفيكم منهم سَمَّاعون يَسْمَعون حديثكم لهم، فيُبلغونهم ويُؤَدُّونه إليهم، عيونٌ لهم عليكم.

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين عندى في ذلك بالصوابِ تأويل من قال: معناه: وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يبلغونه عنكم، عيونٌ لهم. لأن الأغْلَبَ مِن كلام العرب في قولهم: سَمَّاعٌ. وَصْفُ مَن وُصِف به أنه سَمَّاعٌ للكلام، كما قال الله جل ثناؤه في غير موضع من كتابه ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ [المائدة: ٤١: ٤٢]. واصفًا بذلك قوما بسماع الكذب من الحديث. وأمَّا إذا وَصَفوا الرجلَ بسَماعِ كلامِ الرجل وأمره ونهيه وقبوله منه وانتهائه إليه، فإنما [يصفه له] (٢) بأنه له سامعٌ مطيعٌ، ولا يكاد يقولُ: هو له سَمَّاعٌ مُطِيعٌ.

وأما قوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾. فإن معناه: والله ذو عِلْمٍ بَمَن يُوَجِّهُ أفعاله إلى غير وجوهها، ويَضَعُها في غير مواضعها، ومَن يَسْتأْذِنُ رسول الله لعُذْرٍ، ومَن يَسْتَأْذِنُه شَكًّا في الإسلام ونفاقًا، ومَن يَسْمَعُ حديثَ المؤمنين ليُخْبِرَ به المنافقين، ومَن يَسْمَعُه ليُسَرَّ بما سَرَّ المؤمنين (٣) ويُسَاءَ بما ساءَهم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن سَرائرِ خلقه وعلانيتهم.


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٥٤٩، ٥٥٠، وذكره ابن كثير في تفسيره ٤/ ١٠٠، وقد تقدم طرف منه ص ٤٨٢.
(٢) في م: "تصفه".
(٣) في ص، ف: "المؤمنون".