للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولِه: ﴿تَلْبِسُوا﴾ مِن الحرفِ الجازمِ، وذلك هو المعنى الذي يُسَمِّيه النَّحْويون صَرْفًا (١). ونظيرُ ذلك في المعنى والإعرابِ قولُ الشاعرِ (٢):

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأْتِىَ مثلَه … عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

فنصَب "تأتى" على التأويل الذى قلْنا في قولِه: ﴿وَتَكْتُمُوا﴾؛ لأنه لم يَرِدْ: لا تَنْهَ عن خلقٍ ولا تأتِ مثلَه. وإنما معناه: لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وأنت تَأتى مثلَه. فكان الأولُ نهيًا والثانى خبرًا، إذ عطَفه على غيرِ شكلِه.

فأما الوجهُ الأولُ مِن هذين الوجهين اللذين ذكَرْنا أن الآية تَحْتَمِلُهما، فهو على مذهبِ ابنِ عباسٍ الذي حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ ابنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾. يقولُ: لا تَكْتُموا الحقَّ وأنتم تَعْلَمون (٣).

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ بنُ الفضلِ، عن ابنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبى محمدٍ مولى زيدِ بن ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾. أى: ولا تَكْتُموا الحقَّ.

وأما الوجهُ الثانى منهما، فهو على مذهبِ أبى العاليةِ ومُجاهدٍ.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: حدَّثنا آدمُ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن


(١) ينظر تعريف المصنف للصرف في ٦/ ٩٢، وينظر المصطلح الكوفى ص ١٠٥ وما بعدها.
(٢) البيت مختلف في نسبته؛ فقال صاحب الخزانة ٨/ ٥٦٤: المشهور أنه لأبى الأسود الدؤلى.
ونسبه سيبويه في الكتاب ٣/ ٤٢ للأخطل. وقد نسبه الآمدى في المؤتلف والمختلف ص ٢٧٣ للمتوكل الليثى.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٦٤ إلى المصنف.