للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في تأويلِ ذلك عندى بالصوابِ، ما قال ابن مسعودٍ من أن الله أمرَ نبيِّه مِن جهادِ المنافقين بنحوِ الذي أمرَه به مِن جهادِ المشركين.

فإن قال قائلٌ: فكيف تَرَكَهم مُقيمين بينَ أَظْهُرِ أصحابِه مع علمِه بهم؟

قيل: إن الله تعالى ذكرُه إنما أمَر بقتالِ مَن أظْهَر منهم (١) كلمةَ الكفرِ، ثم أقامَ على إظهارِه ما أظهَر مِن ذلك، وأمَّا مَن إذا اطَّلِعَ عليه منهم أنه تَكَلَّم بكلمةِ الكفرِ وأُخِذ بها، أنكَرَها ورَجَع عنها وقال: إنى مسلمٌ. فإِنَّ حكمَ اللَّهِ في كلِّ مَنْ أَظْهَر الإسلامَ بلسانه، أن يَحْقِنَ بذلك له دمَه ومالَه، وإن كان مُعْتَقِدًا غيرَ ذلك، وتَوَكَّلَ هو جلَّ ثناؤُه بسرائرهم، ولم يجعَلْ للخلقِ البحثَ عن السرائرِ؛ فلذلك كان النبيُّ علمه بهم وإطْلاعِ اللهِ إياه على ضمائرِهم واعتقادِ صُدورهم، كان يُقِرُّهم بينَ أَظْهُرِ أصحابِه، ولا يَسْلُكُ بجهادِهم مَسْلكَ جهادِ مَن قد ناصَبه الحربَ على الشركِ باللهِ؛ لأن أحدَهم كان إذا اطُّلِع عليه أنه قد قال قولًا كَفَر فيه باللَّهِ ثم أُخِذ به، أنكره وأظهر الإسلامَ بلسانِه، فلم يكنْ ما يأخُذه إلا بما أظهرَ (٢) له مِن قولِه عندَ حضوره إياه وعزمِه على إمضاءِ الحكمِ فيه، دونَ ما سَلَف مِن قولٍ كان نَطَقَ به قبلَ ذلك، ودونَ اعتقادِ ضميرِه الذي لم يُبحِ اللهُ لأحدٍ الأخْذَ به في الحكمِ، وتَوَلَّى الأخْذَ به هو دنَ خلقه.

وقولُه: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واشْدُدْ عليهم بالجهادِ والقتالِ


= تفسيره ٦/ ١٨٤١، ١٨٤٢.
(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "منه".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "ظهر".