للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُصَلِّي الظهرَ والعصرَ في جماعةٍ، ويتركُ ما سِواهما (١)، ثم تَمَتْ وكَثُرَت، فتَنَحَّى حتى تركَ الصلواتِ إلا الجمعةَ، وهي تَنْمُو كما يَنْمو الدُّودُ، حتى تَرَكَ الجمعةَ، فَطَفِقَ يَتَلَقَّى الرَّكْبانَ يومَ الجمعةِ يسألُهم عن الأخبارِ، فقال رسولُ اللهِ ما فَعَلَ ثَعْلبةُ؟ ". فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اتَّخَذَ غَنَمًا فَضاقَت عليه المدينةُ. فأخْبَروه بأمرِه، فقال: "يا وَيْحَ ثَعْلبةَ، يا وَيْحَ ثَعْلَبةَ، يا وَيْحَ ثَعْلَبةَ". قال: وأَنزَلَ اللهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣] الآية. ونَزَلَت عليه فرائضُ الصدقةِ، فبَعَث رسولُ اللهِ رجلَين على الصدقةِ؛ رجلًا مِن جُهَينةَ، ورجلًا مِن سُلَيمٍ، وكَتَب لهما كيف يأخُذانِ الصدقةَ مِن المسلمين، وقال لهما: "مُرَّا بثعلبةَ، وبفلانٍ - رجلٍ مِن بنى سُلَيمٍ - فَخُذا صدقاتِهما". فَخَرَجا أَتَيا ثعلبةَ، فسَألاه الصدقةَ، وأقرَآه كتابَ رسولِ اللهِ ، فقال: ما هذه إلا جِزْيةٌ، ما هذه إلا أختُ الجزيةِ، ما أدرِى ما هذا، انْطَلِقا حتى تَفْرُغا ثم عُودا إليَّ. فَانْطَلَقا، وسَمِع بهما السُّلَمِيُّ، فَنَظَر إلى خيارِ أسنانِ إبلِه، فعَزَلها للصدقةِ، ثم اسْتَقْبَلَهم بها، فلما رَأَوها، قالوا: ما يجبُ عليك هذا، وما نريدُ أن نأخذَ هذا منك. قال: بلى فخُذُوه، فإن نفسى بذلك طيِّبةٌ، وإنما هي لى. فَأَخَذوها منه، فلما فَرَغَا مِن صدقاتهما رجعا، حتى مَرَّا بِثَعْلَبَةَ، فقال: أَرُونى كتابَكما. فنَظَر فيه فقال: ما هذه إلا أختُ الجِزْيةِ، انطَلِقا حتى أرى رأيي. فانْطَلَقا حتى أتَيا النبيَّ ، فلما رآهما قال: "يا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ". قبل أن يُكَلِّمَهما، ودعا للسُّلَمِيِّ بالبركةِ، فأخبرَاه بالذي صَنَع ثَعْلبةُ، والذي صنَعَ السُّلَمِيُّ، فأنزَل اللهُ فيه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾. إلى قولِه: ﴿وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾. وعندَ رسولِ اللهِ رجلٌ مِن أقاربِ ثَعْلَبةَ، فسَمِع ذلك، فخَرَج حتى أتاه، فقال: وَيْحك يا ثعلبةُ، قد أنزَل


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "سواها".