للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك قريبٌ لمعنى ما قُلنا؛ لأنهم قَعدوا بعدَه، على الخلافِ له.

وقولُه: ﴿وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكَرِهَ هؤلاء المُخَلَّفون (١) أن يَغْزوا الكفارَ بأموالِهم وأنفسِهم ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، يعني: في دينِ اللهِ الذي شَرَعَه لعبادِه، ليَنْصُروه، مَيْلًا إلى الدَّعَةِ والخَفْضِ (٢)، وإيثارًا للراحة على التعبِ والمشقةِ، وشُحًّا بالمالِ أَن يُنْفِقوه في طاعةِ اللهِ.

﴿وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾. وذلك أن النبيَّ اسْتَنْفَرَهم (٣) إلى هذه الغزوةِ وهى غزوةُ تبوكَ، في حرٍّ شديدٍ، فقال المنافقون بعضُهم لبعضٍ: ﴿لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾. فقال اللهُ لنبيِّه محمدٍ : قلْ لهم يا محمدُ: ﴿نَارُ جَهَنَّمَ﴾ [التي أعَدَّها اللهُ لمَن خالَف أمرَه وعَصَى رسولَه] (٤)، ﴿أَشَدُّ حَرًّا﴾ مِن هذا الحرِّ الذي تَتَواصَون بينَكم أن لا تَنْفِروا فيه. يقولُ: فالذى هو أشدُّ حرًّا أحْرَى أن يُحْذَرَ ويُتَّقَى مِن الذي هو أقلُّهما أذًى ﴿لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾، [يقولُ: لو كان هؤلاء المنافقون يَفْقَهُون] (٥) عن اللهِ وَعْظَه، ويَتَدَبَّرون آيَ كتابِه، ولكنهم لا يَفْقَهون عن اللهِ، فهم يَحْذَرون من الحرِّ أقلَّه مكروهًا وأخفَّه أذًى، ويُوافِقون أشدَّه مكروهًا، وأعظمَه على مَن يَصْلاه بلاءً!

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) في ت ٢: "المخالفون".
(٢) الخفض: الدعة والعيش الطيب. التاج (خ ف ض).
(٣) في ت ١، ت ٢، س، ف: "استسرهم".
(٤) سقط من ف.
(٥) سقط من: ت ١، ت ٢، س، ف.