للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين جَحَدوا توحيدَ اللهِ، ونُبوَّةَ نبيِّه محمدٍ منهم، عذابٌ أليمٌ.

فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾. وقد عَلِمتَ أن المُعذِّرَ في كلامِ العربِ، إنما هو الذي يُعَذِّرُ في الأمرِ، فلا يبالِغُ فيه، ولا يُحْكِمُه، وليست هذه صفةَ هؤلاء، وإنما صفتُهم أنهم كانوا قد اجْتَهَدوا في طلبِ ما يَنْهَضون به مع رسولِ اللهِ إلى عدوِّهم، وحَرَصُوا على ذلك، فلم يَجدوا إليه السبيلَ، فهم بأن يوصَفوا بأنهم قد أَعْذَروا، أوْلى وأحقُّ منهم بأن يُوصَفوا بأنهم عَذَّروا، و (١) إذا وصفوا بذلك فالصوابُ في ذلك مِن القراءةِ ما قرَأه ابن عباسٍ.

وذلك ما حدَّثناه المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي حَمَّادٍ، قال: ثنا بِشْرُ بنُ عُمَارَةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ، قال: كان ابن عباسٍ يقرأُ: (وجاءَ المُعذِرُونَ) مخففةً، ويقولُ: هم أهلُ العُذْرِ (٢).

مع موافقةِ مجاهدٍ إياه وغيرِه عليه.

قيل: إن معنى ذلك على غيرِ ما ذهبتَ إليه، وأن معناه: وجاءَ المُعْتَذِرون مِن الأعرابِ، ولكنَّ "التاءَ" لمَّا جاوَرَت "الذالَ" أُدغِمت فيها، فصُيِّرتا "ذالًا" مشددةً؛ لتقاربِ مخرجِ إحداهما مِن الأخرى، كما قيل: "يذَّكرون" في يتذكَّرون، و "يذَّكرُ" في يَتذكَّرُ، وخَرَجَت "العينُ" من المُعَذِّرين إلى الفتحِ؛ لأن حركةَ "التاءِ" مِن المُعْتَذِرين وهى الفتحةُ، نُقِلَت إليها، فحُرِّكَتْ بما كانت به مُحَرَّكةً. والعربُ قد تُوجِّه في معنى الاعْتذارِ إلى الإعْذارِ، فتقولُ: قد اعْتَذَر فلانٌ


(١) سقط من: م.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٨٦٠ من طريق بشر بن عمارة به، وقراءة ابن عباس هذه هي قراءة يعقوب من العشرة، والكسائى في رواية قتيبة. ينظر حجة القراءات ص ٣٢١ والنشر ٢/ ٢١٠.