للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء - فغيرُ جائزٍ أن يُوصَفوا به.

وقد كان بعضُهم يقولُ: إنما جاءوا مُعَذِّرِين غير جادِّين، يَعْرِضُون ما لا يُريدون فعلَه. فمَن وَجَّهَه إلى هذا التأويلِ فلا كُلْفةَ في ذلك، غيرَ أنى لا أعلمُ أحدًا مِن أَهلِ العلمِ بتأويلِ القرآنِ وَجَّه تأويلَه إلى ذلك، فاسْتَحَبُّوا القولَ به.

وبعدُ، فإن الذي عليه من القراءةِ قرأةُ الأمصارِ، التشديدُ في "الذالِ" - أعنى مِن قولِه: ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ - ففى ذلك دليل على صحةِ تأويلِ مَن تأوَّله بمعنى الاعْتذارِ؛ لأن القومَ الذين وُصِفوا بذلك لم يُكَلَّفُوا أَمْرًا عَذَّرُوا فيه، وإنما كانوا فِرْقتَين؛ إما مجتهدٌ طائعٌ، وإما منافقٌ فاسقٌ لأمرِ اللهِ مخالفٌ، فليس في الفريقَين موصوفٌ بالتَّعْذيرِ (١) في الشخوصِ مع رسولِ اللهِ ، وإنما هو مُعَذِّرٌ (٢) مبالغٌ، أو مُعتَذِرٌ.

فإذ كان ذلك كذلك، وكانت الحُجَّةُ من القرأَةِ مجمعةً على تَشْدِيدِ "الذالِ" مِن المُعَذِّرين، عُلِم أن معناه ما وَصَفناه مِن التأويلِ.

وقد ذُكِر عن مجاهدٍ في ذلك موافقةُ ابن عباسٍ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: أخبَرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، عن ابن عُيَينَةَ، عن حُمَيدٍ، قال: قرَأ مجاهدٌ: (وَجاءَ المُعْذِرُونَ) مخففةً، وقال: هم أهلُ العُذْرِ (٣).

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: كان المُعَذِّرون (٤).


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س: "في التقدير".
(٢) في ص، ف: "معذرو".
(٣) أخرجه سعيد بن منصور (١٠٣٠ - تفسير) من طريق حميد به.
(٤) كذا ورد الأثر مبتورا في النسخ، وتمامه كما في سيرة ابن هشام ٢/ ٥٥٢: "فيما بلغني نفرا من بني =