للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأويلُ الكلامِ إذًا: أيُّ هؤلاء الذين بَنَوا المساجدَ خيرٌ، أيها الناسُ، عندَكم؛ الذين ابْتَدَءُوا بناء مسجدِهم [على اتقاءِ اللَّهِ، بطاعتِه] (١) في بنائِه وأداءِ فرائضِه، ورضًا مِن اللَّهِ لبنائِهم ما بَنَوه مِن ذلك، وفعلِهم ما فَعَلوه خيرٌ، أم الذين ابْتَدَءُوا بناءَ مسجدِهم] (٢) على شَفا جُرُفٍ هارٍ؟.

يعنى بقوله: ﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ﴾: على حرفِ جُرفٍ هارٍ (٣).

والجُرُفُ، من الركايا (٤)، ما لم يُبْنَ له جُولٌ (٥).

﴿هَارٍ﴾ يعنى: متهوِّرٍ، وإنما هو هائرٌ، ولكنه قُلِبَ، فأُخِّرَت ياؤُها، فقيل: ﴿هَارٍ﴾ كما قيل: هو شاكي (٦) السلاحِ و: شائكٌ. وأصلُه مِن: هارَ يَهورُ فهو هائرٌ. وقيل: هو مِن هارَ يَهارُ. إذا انهدَم، ومَن جَعَله مِن هذه اللغةِ قال: هِرْتَ يا جُرُفُ. ومَن جَعَله مِن: هارَ يَهُورُ، قال: هُرْتَ يا جُرُفُ.

وإنما هذا مَثَلٌ. يقولُ تعالى ذكرُه: أيُّ هذين الفريقَين خيرٌ؟ وأيُّ هذين البناءَين أثبتُ؟ أمن ابتدَأ أساسَ بنائِه على طاعةِ اللَّهِ، وعلمٍ منه بأنَّ بناءه للهِ طاعةٌ، واللَّهُ به راضٍ، أم مَن ابتَدَأه بنفاقٍ وضلالٍ، وعلى غير بصيرةٍ منه بصوابِ فعلِه مِن خطئِه، فهو لا يَدْرِى متى يَتَبَيَّنُ له خطأُ فعلِه وعظيمُ ذنبِه، فيَهْدِمَه، كما بانى (٧)


(١) في م: "بطاعتهم".
(٢) سقط من الأصل.
(٣) سقط من: ص، ت ٢، ت ٢، م، ف.
(٤) في م: "الركى". والرَّكيَّة: البئر تحفر، والجمع ركى وركايا. اللسان (ر ك ى).
(٥) والجول: جدار البئر وقال أبو عبيد: وهو كل ناحية من نواحى البئر إلى أعلاها من أسفلها. اللسان (ج و ل). وينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ٢٦٩.
(٦) في م: "شاك". قال الجوهري: رجل شاكى السلاح إذا كان ذا شوكة وحدّ في سلاحه. اللسان (ش ك و).
(٧) في ص، ت ٢، ت ٢، م، ف: "يأتي".