للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾: فكانوا يَسْتَغْفِرُون لهم حتى نَزَلَت هذه الآيةُ، فلما نَزَلَت (١) أَمْسَكوا عن الاستغفارِ لأمواتِهم، ولم يَنْهَهم أن يَسْتَغْفروا للأحياءِ حتى يَموتوا، ثم أنزَل الله: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ الآية (٢).

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ الآية: ذُكِرَ لنا أن رجالًا من أصحابِ النبيِّ قالوا: يا نبيَّ اللَّهِ، إن مِنْ آبائِنَا مَن كان (٣) يُحْسِنُ الجِوارَ، ويَصِلُ الأرحامَ، ويَفُلُّ العانيَ، ويُوفِي بالذِّمَمِ، أفلا نستغفرُ لهم؟ قال: فقال النبيُّ : "بلى، واللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لأبي كما اسْتغفَرَ إبراهيمُ لأبيه". قال: فأنزَل اللَّهُ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ حتى بَلَغَ ﴿الْجَحِيمِ﴾، ثم عَذَرَ اللَّهُ إبراهيمَ فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾. قال: وذُكِرَ لنا أن نبيَّ اللَّهِ قال: "أُوحِيَ إليَّ كلماتٌ فَدَخَلْنَ فِي أُدْنِي وَوَقَرْنَ فِي قلبي؛ أُمِرتُ أن لا أستغفِرَ لَمن ماتَ مُشْرِكًا، ومَن أعطَى فضلَ مالِه فهو خيرٌ له، ومَن أمسَكَ فهو شرٌّ له، ولا يلومُ اللَّهُ على كَفافٍ" (٤).

واختَلف أهلُ العربيةِ في معنى قولِه: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾.


(١) في الأصل: "أنزلت".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٨٩٣ من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٨٢ إلى ابن المنذر وابن مردويه.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٨٣ إلى المصنف.