عبدِ الحميدِ، عن شهرٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن شدادٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: "الأَوَّاهُ الخاشعُ المتُضَرِّعُ".
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك عندى بالصواب القولُ الذي قاله عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ، الذي رَواه عنه زِرٌّ، أنه الدَّعَّاءُ.
وإنما قلنا ذلك أَولى بالصوابِ؛ لأن الله ذَكَرَ ذلك ووَصَف به إبراهيمَ خليلَه، صلواتُ اللَّهِ عليه، بعدَ وَصْفه إيَّاه بالدُّعاءِ والاستغفارِ لأبيه، فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ وتَرَكَ الدعاءَ والاستغفارَ له، ثم قال: إن إبراهيم لدعَّاءٌ لربِّه (١)، شاكٍ له، حليمٌ عمَّن سَبَّه ونالَه بالمكروهِ. وذلك أنه، صلواتُ اللَّهِ عليه، وَعَدَ أباه بالاستغفارِ له ودعاءِ اللَّهِ له بالمغفرةِ عندَ وعيدِ أبيه إياه وتَهدُّدِه له بالشتمِ بعدَما رَدَّ عليه نصيحتَه في اللَّهِ وقولِه: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾. فقال له صلواتُ اللَّهِ عليه: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤٦ - ٤٨] فوفَى لأبيه بالاسْتغفارِ له حتى تَبَيَّنَ له أنه عدوٌّ للَّهِ، فوَصَفَه اللَّهُ بأنه دَعَّاءٌ لربِّه، حليمٌ عمَّن سَفِهَ عليه.
وأصلُه مِن التأوُّهِ؛ وهو التَّضَرُّعُ والمسألةُ بالحُزْنِ والإشفاقِ، كما رَوَى عبدُ اللَّهِ بن شَدَّادِ عن النبيِّ ﷺ، وكما رَوَى عقبةُ بنُ عامرٍ الخبرَ الذي حدَّثَنيه يَحيى بنُ عثمانَ بن صالحٍ السَّهْمِيُّ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا ابن لَهِيعَةَ، قال: ثني الحرثُ بنُ يزيدَ، عن عليّ بن رباحٍ، عن عقبةَ بن عامرٍ، أنه قال لرجلٍ يقالُ له: ذو البِجادَيْنِ: