للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهلالُ بنُ أميةَ الواقفيُّ. قال: فذَكَروا لي رجلَين صالحَين قد شَهِدا بدرًا (١) فيهما أُسْوةٌ. قال: فمَضَيتُ حينَ ذَكَروهما لى، ونَهَى رسولُ الله المسلمين عن كلامنا، أيُّها الثلاثةُ، مِن بين مَن تَخَلَّفَ عنه. قال: فاجْتَنَبَنا الناسُ وتَغَيَّروا لنا حتى تَنَكَّرَتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرض التي أعرِفُ، فَلَبِثْنا على ذلك خمسين ليلةً، فأما صاحباي، فاسْتَكَانا وقَعَدا في بُيوتهما يَبْكِيان، وأما أنا، فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ وأشهَدُ الصلاة، وأطوفُ في الأسواق، ولا يُكَلِّمُني أحدٌ، وأتى رسول الله ، فأسلِّمُ عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقولُ في نفسي: هل حَرَّكَ شفتَيه بردِّ السلام أم لا؟ ثم أُصَلِّى معه، وأَسارِقُه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتى نَظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوه أعرَضَ عنى، حتى إذا طال ذلك عليَّ مِن جفوة المسلمين، مشَيتُ حتى تَسَوَّرتُ جدارَ حائطِ أبي قتادة، وهو ابن عمِّى وأحبُّ الناس إليَّ، فسَلَّمْتُ عليه، فوالله ما رَدَّ عليَّ السلام، فقلتُ: يا أبا قتادةَ، أَنْشُدُك بالله، هل تعلَمُ أنى أحِبُّ الله ورسوله؟ فسكَتَ. قال: فعُدْتُ فناشَدتُه، فسكَت، فعُدْتُ فناشَدتُه، فقال: الله ورسوله أعلمُ. فَفَاضَتْ عَيْناى، وتَوَلَّيتُ حتى تَسَوَّرتُ الجدار، فبَيْنا أنا أمشى في سوق المدينة، إذا نبَطِيٌّ (٢) مِن نَبَطِ أهل الشام ممن قَدِمَ بالطعامِ يَبيعُه بالمدينة، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعب بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له حتى جاءني، فدفع إليَّ كتابًا مِن مَلكِ غَسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرأتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنه قد بلَغَنا أن صاحبَك قد جَفاكَ، ولم يجعَلْك الله بدارِ هَوَانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالحقْ بِنا نُواسِكَ.

قال: فقلتُ حين [قرأتُها: وهذه] (٣) أيضًا من البلاء، [فتأمَّمتُ به] (٤)


(١) بعده في م: "لى".
(٢) في م: "بنبطي".
(٣) في م: "قرأته وهذا". والتأنيث فيه إرادة لمعنى الصحيفة أو الرسالة.
(٤) في ت ١، ت ٢، س، ف: "فتأممت بها". والتأمم: القصد. النهاية ١/ ٦٩.