للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتِغْنائه، فلم يكنْ مَحْظورًا، إذا لم يكنْ عن كراهةٍ (١) منه ذلك. وكذلك حكمُ المسلمين اليومَ إزاءَ إمامهم، فليس بفَرْضٍ على جميعهم النهوضُ معه، إلا في حالِ حاجتِه إليهم لما لابدَّ للإسلام وأهله من حضورِهم واجتماعهم، واسْتِنَهاضِه إياهم، فيَلْزَمُهم حينَئذٍ طاعتُه.

وإذا كان ذلك معنى الآية، لم تكنْ إحدى الآيتين اللتين ذَكَرْنا ناسخةً للأخرى، إذ لم تكنْ إحداهما نافيةً حكمَ الأخرى من كلِّ وجوهِه، ولا جاءَ خبرٌ يُوَجِّهُ الحُجَّةَ بأن إحداهما ناسخةٌ للأخرى.

وقد بَيَّنَّا معنى "المَخْمَصةِ" وأنها المَجاعةُ، بشواهدِه، وذَكَرْنا الرواية عمَّن قال ذلك في موضعٍ غير هذا، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا (٢).

وأما "النَّيْلُ"، فهو مصدرٌ من قول القائل: نالَنى يَنالُنى، ونِلْتُ الشيءَ، فهو مَنيلٌ. وذلك إذا كنتَ تنالُه بيدِك، وليس من التَّناوُلِ، وذلك أن التناولَ مِن النَّوالِ، يقالُ منه: نُلْتُ له، أنولُ له، من العَطِيَّةِ.

وكان بعضُ أهل العلم بكلام العرب يقولُ: النَّيْلُ مصدرٌ مِن قول القائل: نالنى بخير يَنولُنى نَوالًا، وأنالَنى خيرًا إنالةً. وقال: كأَنَّ النَّيْلَ مِن الواو، أُبْدِلَت يَاءً لخِفَّتِها وثقَلِ الواو.

وليس ذلك بمعروفٍ في كلامِ العرب، بل من شأن العرب أن تُصَحِّحَ الواوَ مِن ذواتِ الواو إذا سَكَنَتْ وانفَتَح ما قبلَها، كقولِهم: القَوْلُ، والعَوْلُ، والحَوْلُ. ولو جازَ ما قال، لجازَ القَيْلُ.


(١) في م: "كراهته".
(٢) ينظر ما تقدم في ٨/ ٩١ - ٩٣.