وأَوْلى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: تأويلُه: وما كان المؤمنون ليَنْفِروا جميعًا ويتركوا رسول الله ﷺ وحده، وأن اللَّهَ نهى بهذه الآيةِ المؤمنين به أن يَخْرُجوا في [غزوٍ وجهادٍ](١) وغير ذلك من أمورهم، ويدعوا رسول الله ﷺ وحيدًا، ولكن عليهم إذا سَرَّى رسول اللهِ ﷺ سَريةً، أن يَنْفِرَ معَها مِن كُلِّ قبيلةٍ مِن قبائل العرب - وهى الفرقةُ - طائفةٌ، وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد، كما قال اللهُ جلّ ثناؤُه: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾. يقولُ: فَهَلَّا نَفَرَ مِن كُلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ؟ وهذا إلى هاهنا على أحد الأقوال التي رُويت عن ابن عباسٍ، وهو قولُ الضَّحَّاكِ وقتادة.
وإنما قلنا: هذا القولُ أَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لأن الله تعالى ذكرُه حظَر التخلُّفَ خلاف رسولِ اللهِ ﷺ على المؤمنين به من أهل المدينة مدينة الرسول ﷺ ومن الأعراب، لغير عُذْرٍ يُعْذَرون به، إذا خرج رسول الله ﷺ لغزوٍ وجهادٍ عدوٍّ قبل هذه الآيةِ بقوله: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾. ثم عقَّب ذلك جلّ ثناؤُه بقوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾. فكان معلومًا بذلك، إذ كان قد عَرَّفَهم في الآية التي قبلها اللازم لهم من فرضِ النَّفْرِ، والمباحَ لهم مِن تَرْكه في حال غزو رسول ﷺ، وشخوصِه عن مدينته لجهادِ عدوٍّ، وأعْلَمَهم أنه لا يَسَعُهم التَّخلُّفُ خِلافَه إلا لعُذْرٍ، بعدَ اسْتِنهاضِه بعضَهم وتَخْليفِه بعضَهم - أن يكونَ عَقِيبَ تعريفهم ذلك تَعْريفُهم الواجب عليهم عند مقامِ رسول الله ﷺ بمدينته، وإشخاص غيرِه عنها، كما كان الابتداءُ بتَعْرِيفهم الواجب عندَ شُخوصِه وتَخْليفِه بعضَهم.