وقد كان بعضُ نحويى البصرة يقولُ: معنى ذلك: قلْ فأتُوا بسورة مثلِ سورته، ثم أُلقيت سورةٌ، وأُضِيفَ المثلُ إلى ما كان مضافًا إليه السورة، كما قيل: ﴿وَاْسَأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]. يراد به: واسألْ أهلَ القرية.
وكان بعضُهم ينكر ذلك من قوله، ويَزْعُمُ أن معناه: فأتُوا بقرآن مثل هذا القرآن.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن السورةَ إنما هي سورةٌ مِن القرآنِ وهى قرآنٌ، وإن لم تكن جميع القرآن، فقيل لهم: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾، ولم يقلْ: مثلِها؛ لأن الكناية أُخرجت على المعنى -أعنى معنى السورة- لا على لفظها؛ لأنها لو أُخْرِجت على لفظِها لقيل: فأتوا بسورةٍ مثلِها.
﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ﴾، يقولُ: وادْعُوا أيها المشركون على أن يأتوا بسورة مثلها مَن قَدَرْتُم (١) أن تَدْعوا على ذلك من أوليائكم وشركائكم، ﴿مِّن دُونِ اللَّهِ﴾. يقولُ: مِن عندِ غيرِ اللَّهِ، فأَجْمِعُوا على ذلك واجتَهِدوا، فإنكم لا تستطيعون أن تأتوا بسورةٍ مثلِه أبدًا.
وقولُه: ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾. يقولُ: إن كنتم صادقين في أن محمدًا افترَاه، فأتُوا بسورةٍ مثلِه من جميعِ مَن يُعِينُكم على الإتيانِ بها. فإن لم تَفْعلوا ذلك، فلا شكَّ أنكم كَذَبَةٌ في زعْمِكم أن محمدًا افتراه؛ لأن محمدًا لن يَعْدُو أن يكون بشرًا