للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا يَعْلَى، عن أبى بسطامٍ، عن الضحاكِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. قال: يعلمُ أين هو قبلُ [أن يموت] (١) (٢).

وأَوْلى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن اللهَ تعالى ذكرُه أخبرَ أن لأوليائِه المتقين، البُشْرَى فى الحياةِ الدنيا، ومن البشارةِ فى الحياةِ الدنيا الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ، أو تُرَى له. ومنها بُشْرَى الملائكةِ إياه عندَ خروجِ نفْسِه برحمةِ اللهِ، كما رُوي عن النبيِّ : "إن الملائكةِ التي تَحْضُرُه عندَ خُرُوج نفْسِه، تقولُ لنفْسِه: اخْرُجِي إلى رحمةِ اللهِ ورضوانِه" (٣).

وَمنها: بُشْرَى اللهِ إياه ما وَعَدَه فى كتابِه، وعلى لسانِ رسولِه مِن الثوابِ الجزيلِ، كما قال جلّ ثناؤُه: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥]. وكلُّ هذه المعاني من بُشْرى اللهِ إياه في الحياةِ الدنيا، بَشَّرَه بها. ولم يخصصِ اللهُ من ذلك معنًى دونَ معنًى، فذلك مما عَمَّه جلّ ثناؤُه أن ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وأمَّا في الآخرةِ فالجنةُ.

وأما قولُه: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ فإن معناه: إن اللهَ لا خُلْفَ لوعدِه، ولا تغييرَ لقوله عما قال، ولكنه يُمْضِى لخلقِه مواعيدَه، ويُنْجِزُها لهم.


(١) فى م، ت ١: "الموت".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره ٦/ ١٩٦٥ من طريق يعلى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣١٣ إلى ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن المنذر وأبى الشيخ وابن منده في كتاب سؤال القبر.
(٣) تقدم تخريجه في ١٠/ ١٨٦.