للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن الإنسانَ لفرِحٌ بالنِّعَمِ التي يُعْطاها، مسرورٌ بها ﴿فَخُورٌ﴾، يقولُ: ذو فخرٍ بما نالَ مِن السعةِ في الدنيا، وبُسِطَ له فيها مِن العيشِ، ويَنْسَى صُرُوفَها، ونَكَدَ العوائصِ (١) فيها، ويَدَعُ طلبَ النعيمِ الذي يَبْقى، والسرورَ الذي يدومُ، فلا يزولُ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه: ﴿ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾ غِرَّةً باللَّهِ وجراءةً عليه، ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾ واللَّهُ لا يحبَّ الفرحينَ، ﴿فَخُورٌ﴾ بعدَ ما أُعْطِي، وهو لا يشكُرُ اللَّهَ (٢).

ثم اسْتَثْنى جلَّ ثناؤُه مِن الإنسانِ الذي وَصَفَه بهاتين الصفتَين الذين صَبَروا وعَمِلوا الصالحاتِ، وإنما جازَ استثناؤُهم منه؛ لأن الإنسانَ بمعنى الجنسِ ومعنى الجمعِ، وهو كقولِه: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: ١ - ٣].

فقال تعالى ذكرُه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فإنهم إن تأتِهم شدّةٌ من الدنيا وعسرةٌ فيها، لم يُثْنِهم ذلك عن طاعةِ اللَّهِ، ولكنهم صَبَروا لأمرِه وقضائِه، فإن نالوا فيها رخاءً وسعةً شَكروه، وأدَّوا حقوقَه بما آتاهم منها، يقولُ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ يغفرُها لهم، ولا يفضَحُهم بها في معادِهم، ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾. يقولُ: ولهم مِن اللَّهِ مع مغفرةِ ذنوبِهم ثوابٌ - على أعمالِهم الصالحةِ التي عَمِلوها في دارِ الدنيا - جزيلٌ، وجزاءٌ عظيمٌ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ عندَ البلاءِ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ عندَ النعمة، ﴿لَهُمْ


(١) في م: "العوارض". والعوائص: الشدائد.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٢٢ إلى المصنف وأبي الشيخ مطولًا.