للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [إِنِّي لَكُمْ﴾ أيُّها القومُ] (١) ﴿نَذِيرٌ﴾ مِن اللَّهِ، أُنذرُكم بأسَه على كفرِكم به، فآمِنوا به وأطِيعوا أمرَه. ويعني بقولِه: ﴿مُبِينٌ﴾: يُبِينُ لكم عما أُرسِل به إليكم، مِن أمرِ اللَّهِ ونهيِه.

واختلفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿إِنِّي﴾؛ فقرَأ ذلك عامة قرأةِ الكوفةِ وبعضُ المدنيين بكسرِ "إن" على وجهِ الابتداءِ (٢)؛ إذ كان في الإرسالِ معنى القولِ. وقرَأ ذلك بعضُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ والبصرةِ بفتحِ "إن" (٣) على إعمالِ الإرسالِ فيها، كأن معنى الكلامِ عندَهم: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه بأني لكم نذيرٌ مبينٌ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أن يقالَ: إنهما قراءتان متَّفِقَتا المعنى، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرأةِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ كان مصيبًا للصوابِ في ذلك.

وقولُه: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾. فمَن كَسَر الألفَ في قوله: ﴿إِنِّي﴾. جعَل قولَه: ﴿أَرْسَلْنَا﴾ عاملًا في "أنْ" التي في قولِه: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾. ويصيرُ المعنى حينَئذٍ: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه، أن لا تعبدوا إلا اللَّهَ، وقلْ لهم: ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾. ومَن فَتَحها رَدَّ "أنْ" في قولِه: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ عليها، فيكونُ المعنى حينَئذٍ: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه بأني لكم نذيرٌ مبينٌ، بأن لا تعبدوا إلا اللَّهَ.

ويعني بقولِه: بأن لا تعبدوا إلا اللَّهَ: أيُّها الناسُ، اتركوا (٤) عبادةَ الآلهةِ


(١) سقط من: ت ١.
(٢) هي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة. ينظر السبعة ص ٣٣٢، وحجة القراءات ص ٣٣٧، والتيسير ص ١٠١.
(٣) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، وتنظر المصادر السابقة.
(٤) زيادة يستقيم بها الكلام، وينظر التبيان ٥/ ٤٦٩.