للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي دَخَل فيها نوحٌ بعدَ ستِّمائةِ سنةٍ مِن عمرِه، لسبعَ عشْرةَ ليلةً مَضَت مِن الشهرِ. فلما دَخَل وحَمَل معه مَن حَمَل، تَحرَّك ينابيعُ الغَوْطِ (١) الأكبرِ، وفُتِحَ أبوابُ السماءِ، كما قال اللَّهُ لنبيِّه محمدٍ : ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١١، ١٢]. فدَخَل نوحٌ ومَن معه الفلكَ، وغَطَّاه عليه وعلى مَن معه بطبقِه (٢)، فكان بينَ أن أَرسلَ اللَّهُ الماءَ، وبينَ أن احْتمل الماءُ الفلكَ، أربعون يومًا وأربعون ليلةً، ثم احْتمل الماءُ، كما يزعُمُ أهلُ التوراةِ، وكَثُر الماءُ واشتدَّ وارتفعَ، يقولُ اللَّهُ جلّ ذكرُه لمحمدٍ : ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣]. والدُّسُرُ المساميرُ؛ مساميرُ الحديدِ، فجعلت الفلكُ تَجْري به وبمَن معه في موجٍ (٣) كالجبالِ، ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ الذي هَلَكَ فيمَن هلكَ، ﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ حينَ رأى نوحٌ مِن صِدْقِ موعد ربِّه ما رأى، فقال: ﴿يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾. وكان شقيًّا قد أضمَر كفرًا، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾، وكان عَهِدَ الجبالَ، وهي حِرْزُ مِن الأمطارِ إذا كانت، فظنَّ أن ذلك كما كان يعهَدُ، قال نوحٌ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾، وكَثُرَ الماءُ حتى طَغَى وارتفعَ فوقَ الجبالِ، كما يزعمُ أهلُ التوراةِ، بخمسةَ عشرَ ذراعًا، فبادَ ما على وجهِ الأرضِ مِن الخلقِ، مِن كلِّ شيءٍ فيه الروحُ أو شجرٍ، فلم يَبْقَ شيءٌ من الخلائقِ إلا نوحٌ ومَن معه في الفلكِ، وإلا عُوجُ بنُ عُنُقَ، فيما يزعمُ أهلُ الكتابِ، فكان بينَ أن أرسلَ اللَّهُ الطوفانَ، وبين أن غاضَ الماءُ، ستةَ


(١) الغوط: المطمئن الواسع من الأرض. التاج (غ و ط).
(٢) في م: "بطبقة". والطبق: غطاء كل شيء. ينظر اللسان (ط ب ق).
(٣) في ص، ف: "موضع"، ووضع فوقها ناسخ ص علامة: "ط".