للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنت لا يجوزُ لك في وجهٍ أن تقولَ: المعصومُ هو عاصمٌ في حالٍ. ولكن لو جعَلْتَ العاصمَ في تأويلِ معصومٍ؛ [كأنَّك قلتَ] (١): لا معصومَ اليومَ مِن أَمرِ اللَّهِ. لجازَ رفعُ "مَنْ". قال: ولا يُنْكَرُ أن يَخْرُجَ المفعولُ على فاعلٍ، ألا تَرى قولَه: ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق: ٦]. معناه - واللَّهُ أعلمُ - مدفوقٌ. وقولُه: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١]، معناها: مَرْضيَّةٌ. قال الشاعرُ (٢):

دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها … واقْعُدْ فإنك أنتَ الطَّاعِمُ الكاسِي

ومعناه: المكسوُّ.

وقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾، على: لكنْ مَن رَحِم. ويجوزُ أن يكونَ على: لا ذا عِصْمةٍ. أي: معصومٌ. ويكونُ ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ رفعًا، بدلًا من العاصمِ.

ولا وجهَ لهذه الأقوالِ التي حَكَيناها عن هؤلاء؛ لأن كلامَ اللَّهِ تعالى ذكرُه إنما يُوَجَّهُ إلى الأفصحِ الأشهرِ مِن كلامٍ مَن نزَل بلسانِه، ما وُجِدَ إلى ذلك سبيلٌ. ولم يضطرَّنا شيءٌ إلى أن نجعلَ عاصمًا في معنى معصومٍ، ولا أن نجعلَ "إلا" بمعنى "لكن"، إذ كنا نجدُ لذلك في معناه - الذي هو معناه في المشهورِ مِن كلامِ العربِ - مَخْرجًا صحيحًا، وهو (٣) ما قلنا مِن أن معنى ذلك: قال نوحٌ: لا عاصمَ اليومَ مِن أمرِ اللَّهِ إلا مَن رَحِمَنا، فأنْجانا مِن عذابِه. كما يقالُ: لا مُنْجِيَ اليومَ مِن عذابِ اللَّهِ إلا اللَّهُ، ولا مُطْعِمَ اليومَ مِن طعامِ زيدٍ إلا زيدٌ. فهذا هو الكلامُ المعروفُ، والمعنى المفهومُ.


(١) سقط من: النسخ. والمثبت من معاني القرآن يقتضيه السياق.
(٢) هو الحطيئة، والبيت في ديوانه ص ٢٨٤.
(٣) بعده في ت ١، س: "من".