للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الحجازِ والبصرةِ: ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ (١). على أن الجوابَ مِن إبراهيمَ صلواتُ اللَّهِ عليه، لهم كان (٢) بنحوِ تَسليمِهم: عليكم السلامُ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أنهما قراءتان مُتقارِبتا المعنى؛ لأن السِّلمَ قد يكونُ بمعنى السلامِ على ما وصَفتُ، والسلامُ بمعنى السِّلْمِ؛ لأن التسليمَ لا يكادُ يكونُ إلا بينَ أهلِ السِّلمِ دونَ الأعداءِ، فإذا ذُكِرَ تسليمٌ مِن قومٍ على قومٍ، ورَدُّ الآخرين عليهم، دلَّ ذلك على مُسالمةِ بعضِهم بعضًا. وهما مع ذلك قراءتان قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ (٣) أهلُ قُدوةٍ في القراءةِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ (٤) الصوابَ.

وقولُه: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾. [يقولُ: فما بطَّأَ إبراهيمُ إذ تَضَيَّفته رسلُ اللَّهِ أن جاءهم بعجلٍ حنيذٍ] (٥). وأصلُه مَحنوذٌ، صُرِفَ مِن مفعولٍ إلى فَعيلٍ.

وقد اختلَف أهلُ [العلمِ بالعربيةِ] (٦) في معناه؛ فقال بعضُ أهلِ البصرةِ منهم (٧): معنى المحنوذِ: المشويُّ. وقال: يقالُ منه: حنَذتُ فرسي. بمعنى: سَخَّنتُه وعَرَّقتُه. واستشهَد لقولِه ذلك ببيتِ الراجزِ (٨):

* ورَهِبَا مِن حَنذِه أَن يَهرَجَا (٩) *


(١) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم. المصدر السابق.
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٣) بعده في م: "منهما".
(٤) بعده في ص: "فيها".
(٥) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٦) في م: "العربية"، وفي س: "العلم في العربية".
(٧) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/ ٢٩٢.
(٨) هو العجاج، والبيت في ديوانه ص ٣٧٥.
(٩) هرج: سدر من شدة الحر. اللسان (هـ ر ج).