للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزَعَم بعضُ أهلِ العربيةِ من أهلِ البصرةِ أن معنى قولِه: ﴿يُجَادِلُنَا﴾: يُكلِّمُنا، وقال: لأن إبراهيمَ لا يُجادلُ اللَّهَ، إنما يسألُه ويطلبُ إليه (١). وهذا من الكلامِ جهلٌ؛ لأن اللَّهَ ﷿ أخبرَنا في كتابهِ أنه يُجادِلُ في قومِ لوطٍ، فقولُ القائلِ: إبراهيمُ لا يُجادِلُ اللَّهَ (٢) - مُوهِمًا بذلك أن قولَ من قال في تأويلِ قولِه: ﴿يُجَادِلُنَا﴾. يُخاصمُنا، أن إبراهيم كان يُخاصِمُ ربَّه - جهلٌ من الكلامِ، وإنما كان جِدالُه الرسلَ على وجهِ المُحاجَّةِ لهم. ومعنى ذلك: وجاءته البُشرى يُجادِلُ رُسُلَنا، ولكنه لمّا عُرِف المرادُ من الكلامِ حَذَف الرُّسُلَ.

وكان جدالُه إياهم كما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، قال: ثنا جعفرٌ، عن سعيدٍ: ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾. قال: لما جاءه (٣) جبريلُ ومن معه قالوا لإبراهيم: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١]. قال لهم إبراهيمُ: أتُهلِكون قريةً فيها أربعُمائةِ (٤) مؤمنٍ؟ قالوا: لا. قال: أفتُهلكون قريةً فيها ثلاثُمائةِ مؤمنٍ؟ قالوا: لا. قال أفتُهلكون قريةً فيها مائتا مؤمنٍ؟ قالوا: لا. قال: أفتُهلكون قريةً فيها أربعون مؤمنًا؟ قالوا: لا. قال: أفتُهلكون قريةً فيها أربعةَ عشرَ مؤمنًا؟ قالوا: لا. قال (٥): وكان إبراهيمُ يَعُدُّهم أربعةَ عشرَ بامرأةِ لوطٍ، فسكَتَ عنهم واطمأنَّت نفسُه (٦).

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ، عن سعيدِ بنِ


(١) في م، ف: "منه". وفي ت ١، ت ٢، س: "الله".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٣) في م: "جاء".
(٤) في الأصل، ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "مائة". والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.
(٥) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٦) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٢٩٧ عن ابن حميد به، وابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ٢٠٥٨ من طريق يعقوب به.